أبي: كن صديقي!

آراء

في دبي رأيت أباً يرافق ابنه إلى مقهى شبابي يرتاده عشاق الدراجات النارية. ولأني أعرفه جيداً وأعرف ابنه جيداً فلم أندهش لتلك الصداقة التي جمعت الأب بالابن وأصدقاء الابن.

قال لي مرة إن أصدقاء أبنائي أصدقائي. وعرفت منه لاحقاً أنه يشارك أولاده وأصدقاءهم رحلات برية وبحرية وهو عندهم واحد من أفراد «الشلة»! أحببت في الأب حميمية الصداقة مع أولاده وأصدقاء أولاده.

كم هي ممتعة تلك الصداقة التي تجمعنا بآبائنا وأعمامنا وإخواننا. سمعت يوماً أباً يطلب من ابنه: كن صديقي! ظننته يقولها مازحاً لكنني عرفت فيما بعد أنه كان يعنيها. ولأننا في زمن كثرت تعقيداته وزادت مخاطره، فليس ثمة آمن على الأبناء من صداقة حقيقية مع آبائهم؛ صداقة قوامها الصدق والقرب والفهم.

عرفت يوماً أباً يظن أن كسر الحواجز مع الأبناء يكسر «هيبة» الأبوة! يا لهذه العقدة العربية التي اسمها «هيبة»، كم ورطتنا في متاهات ما أنزل الله بها من سلطان. أي «هيبة» تلك التي تصنع جدار من النفاق والخوف والكذب بين الابن وأبيه؟

إن الصداقة بين الآباء والأبناء، إن أسست لاحترام متبادل وثقة متبادلة، ستقطع الطريق أمام ما يمكن أن يتعرض له الأبناء من مشكلات في دراستهم وفي علاقاتهم وفي رؤيتهم لأنفسهم وللحياة. «الهيبة» شيء والاحترام شيء آخر. وصداقة الأبناء تؤسس نظرة احترام عند الأبناء لآبائهم. أما هذه «الهيبة» فإنما تؤسس لخوف الأبناء من مصارحة آبائهم وتقود بالتالي لعلاقة مليئة بكل أشكال الكذب والنفاق يصبح معها الأب آخر من يعلم وآخر من يُستعان به عندما تقع أزمة أو تدعو حاجة!

إن كنت أباً فلا تتردد أن تعرض جدياً صداقتك على ابنك. وإن كنت ابناً وتريد حقاً أن تبر بأبيك فأبلغه اليوم: أبي: كن صديقي!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٨٥) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٦-٠٦-٢٠١٢)