ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

أسئلة السياحة في الوطن

آراء

أخذت الأولاد بجولة في إرجاء الإمارات السبع أو قررنا أن نعمل لهم سياحة في الوطن، خاصة أن الجيل الجديد لا يميز الجغرافيا بمفهومها الصحيح والمبسط في مناهجهم التعليمية والتربوية، فكل الأمور لديهم في تعليمهم الجديد تسمى موادّ اجتماعية، فيخلطون بين جغرافية الإمارات، والتربية الوطنية، والمادة الاجتماعية، وهذا أمر له حديث آخر، لأنه لا يعقل أن يعرف طالب الصف الخامس عندنا «أوتاوا» وموقعها البعيد، ولا يعرف كلباء وخور فكان في وطنه. كانت أياماً جميلة تنقلنا فيها بالمبيت بين جنبات صحراء، وأعالي جبال، وعلى عتبات ماء البحر، كانت الرحلة مذهلة، وغير متوقعة، ومدهشة في كثير من الجوانب، وأسئلة كانت تطرح، أعمقها عندهم: «هل كل هذا عندنا»؟ أما السؤال المؤلم عندي فكان: لِمَ لا نعرف»؟

أعتقد أن بعض دوائر السياحة أو أياً كان مسماها لا تعرف من السياحة إلا المعارض والمشاركة فيها، وتلك الجوائز الإعلانية لا الإعلامية المتفرقة التي تحصل عليها دون دراسات من الجهات المانحة، ودون تقص حقيقي عن الجهات المانحة نفسها، ولكيلا أعمم، قد استثني جهة واحدة هي التي لديها خطط استراتيجية في هذا القبيل، ولديها نتائج تراكمية كل عام من حيث مؤشر النجاح والمردود ورجع الصدى، لذا دائماً ما نجد ثغرات يعرفها الصادقون والواعون والوطنيون، ويتغاضى عنها المستفيدون، وغير المهتمين بالشأن الوطني، وغير المتخصصين في الترويج السياحي والثقافي الرابضين في مكاتبهم.

أمر آخر يجرح السياحة المحلية، رغم أهليتها وتفردها سواء من حيث الطقس والمناخ أو من حيث الطقوس أو المؤهلات السياحية، هو غياب المرشد السياحي الوطني والموسوعي وذو المعارف اللغوية المتعددة، الجماعة الذين نراهم أو يتراءون لنا في المشاهد السياحية، منهم الموظف لدى شركة سياحية، يحفظ ذلك الكتيب السياحي بالإنجليزية، وجل الأسماء الجغرافية والمواقع السياحية يصعب عليه نطقها، وإن نطقها بانت وكأنها أسماء أجنبية لا تخص المكان، هذا غير الجهل بالدراسات التاريخية والتاريخ المقارن لبسط وتبسيط المعلومة للسائح الأجنبي الذي أسئلته عادة ما تكون كثيرة وأعمق من أجوبة المرشد السياحي المرتجف، المرشدون السياحيون لدينا هم أشبه بأولئك الراغبين في تعلم اللغة الألمانية في خمسة أيام، وبدون معلم، من خلال كتيب صنع في مطابع لبنان التجارية، ودعْ صاحبنا يتعلم الألمانية إن قدر، وليس إن حلم.

هناك أمور في الحياة كثيرة، دونها خرط القتاد، كما كانت العرب تقول. أما السبب الآخر والمهم في غياب السياحة المحلية والتعريف بأماكنها وإمكانياتها محلياً ودولياً، ومواقعها ووسائل المعرفة والترفيه فيها، فهو الإعلام المحلي الذي تعجبه مدينة في أقصى جنوب شرق آسيا كان قد زارها بتذكرة وسكن مجاني، ولا كلف البعض منهم نفسه ركوب سيارته والبحث عن أماكن لذكرياته حين كان هنا – على الأقل- أو فكر صحفي وطني قبل أن يكون مواطناً أن يدرس حياة الجبال، ومهارة رجال رؤوس الجبال، وطقوس سكنهم ومعيشتهم وصلابة أيامهم، وما يقتنصونه من أجل رزقهم.

لِمَ تغيب صفحات صحفنا أو عدسات تلفزيوناتنا، وميكروفونات إذاعاتنا في صحرائنا، تلك المترامية الأطراف، الغزيرة بالحكايات وأوجاع العطش، ثم الرزق الكثير؟ لِمَ لا رائحة حقيقية لبحرنا وأهله عندنا؟ كل الموجود اليوم هو للمدن العصرية التي نغيب عنها نحن أهل الدار.

تلك كانت أسئلة تسبقني في جولتنا التي أطلقنا عليها: «سياحة في الوطن»، والتي أشفقت فيها على أولادي؛ لأنهم يجهلونها أو ربما لا يلقون لها بالاً بعدما يشبّون ويكبرون، ولا أحد قد يصحح لهم معلومة أو يغريهم بمعرفة، من منهج تعليمي أساسي أو مرشد سياحي مدفوع الأجر أو إعلام وطني!

المصدر: الاتحاد