عائشة الجناحي
عائشة الجناحي
كاتبة إماراتية

أعجب من هذا الهجر

آراء

قاده الخيال إلى ذكرياته القديمة مع صاحبه الذي كان معه منذ طفولته فلقد كان معه طوال مرحلته الدراسية في المدرسة ومن ثم في سنتي الجامعة الأوليين، بدايات النشاط الممزوج بالطموح والتفاؤل. كان هو الصديق والأخ الذي لم تلده أمه، فلقد كان الأذن المصغية والقلب الكبير والعقل المشارك الذي يحاول دائماً أن يهدئ من روعه في الأزمات ليطمئن قلبه. إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان فلقد ابتعد صديقه عن عالمه بدون أي سابق إنذار، فيأتي أحد الزملاء المزيفين ليواسيه بعبارة مؤلمة فيقول »ليش اتكدر خاطرك، من باعنا بعناه ولو كان غالي«.

هل تعلم من يفرح بهذا الخصام وهذا الهجر؟ وهل تعلم من الذي يتقطع قلبه حزناً منه؟ يفرح الشيطان ويكون في أسعد حال حين يتم هجر الأهل أوالقريب أو الصديق، وقد يفرح به أكثر أعدائك من الناس الذين يستمدون قوتهم من حطامك. ولكن الذي يحزن ويتجرع الألم بسببه هم الآباء والأمهات والمحب، فهجر الأخوة يحرق قلوب الوالدين وهجر الرفيق يدمي القلب وكأنك ترفعه للسماء السابعة لتهوي به أرضاً.

إن الخلاف أمر طبيعي وليس بعيب فمن منا سلم منه، فخيرة البشر حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم، ولكن العيب هو الاستمرار في هذا الخلاف من غير التحرر منه بالصلح لتعود المياه إلى مجاريها.

»أغالب فيك الشوق والشوق أغلب وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب« المتنبي. يعبر الصديق عن حزنه فيقول »اشتقتله رمضان قرب، كيف ما أكلمه«، فيجيبه الزميل شبه ساخر »لين متى بتم على هالطيبة«.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى، قال: صلاح ذات البين«.

هذا الهجر هو سبب لتعليق الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والصدقات وحسن الخلق، فلا ترفع إلى الله حتى تتم المصالحة بين الطرفين ويزول هذا الهجر. وها نحن مقبلون على شهر الصّيام والطّاعات والقربات والمحبة، فما أجمل أن تصفى القلوب في شهر رمضان، فنية الصلح فيها لها دور وأثر كبير في تصفية القلوب وتقريب المسافات، فلنضع شعارنا في مواجهة الألم »لعله خير«.

ولنصلح ذات البين، فثواب المصالحة يفوق ثواب العبادات، وكما إن المصلح له ثواب عظيم يفوق ثواب العبادات فإن المفسد بين الناس الذي يزرع بينهم الكره يُحبط عمله ويبطل سعيه ويهلك ما بلغ رصيده من الحسنات لقوله تعالى: »وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً« (الفرقان 23).

بعد مرور أيام، تبين له سبب اختفاء صاحبه المفاجئ طوال هذه المدة والتي كانت فترة مكوثه في المستشفى جراء حادث عنيف، فاسودت الدنيا في عينيه بسبب خضوعه لوهم أن غياب صاحبه كان متعمداً فدمعت عيناه وقال: »لا تؤاخذني بجهلي«. دعونا نصفي النفوس ونطهر القلوب حتى نستقبل هذا الشهر المبارك بنفس طاهرة لا تحمل مثقال ذرة لأخطاء الأصحاب من الماضي.

المصدر: البيان