أكبر منك بيوم

آراء

في مطلع التسعينات، حاول الابن الأكبر إقناع والده بضرورة شراء هاتف محمول، احتاج الأمر إلى خمس سنوات ليقتنع الأب ويشتري الهاتف، غير أن الأب كان يحتفظ بدفتر يسجل فيه الأرقام، يضعه في جيبه ويخرجه كلما رغب في إجراء مكالمة، تجمع الأبناء على الأب الجالس على أريكته في منتصف الصالة محاولين أن يشرحوا له إمكانية تخزين الأرقام في الهاتف المتحرك، قال أحدهم: تراها سهلة، لم يقتنع الأب، مُجيبهم: وما العمل لو مُسحت هذه الأرقام أو ضاع الموبايل؟ ضحك الأبناء وانصرفوا، بعد عقد من الزمان تزوج الابن الأكبر وأنجب، وقرر شراء هاتف ذكي بناءً على إلحاح من ابنه البكر ذي العشر سنوات، بالنسبة للأب كان الهاتف الذكي جهازاً معقداً ومحيراً، وأكثر ما كان يضايقه هو الإشعارات بورود الرسائل، حاول مراراً وتكراراً إيقاف الإشعارات لكنه عجز، شكا لابنه الذي تناول الهاتف الذكي وعطـّل خاصية الإشعارات بضغطة زر، ابتسم الطفل؛ وقال لأبيه: تراها سهلة! كلما استرجعت هذه الحكاية، أقول: هل انقلبت الآية فصرنا في الزمان الذي يتعلم فيه الكبير من الصغير؟!

تقول الإحصاءات إن نسبة الشباب في عالم اليوم تعدت الـ50% من المجتمع، وتشير التوقعات إلى أن النسبة قد تفوق ذلك بكثير في العقود المقبلة، بمعنى آخر أن كل من تخطى سن الـ40 اليوم سيُعتبر أقلية في مجتمع الغد، هل فكرت في مصطلح «الأقلية العُمرية»؟! أهو مصطلح جديد يختلف عن مصطلحات الأقلية العرقية والمذهبية والطائفية؟ الأمر لا يقتصر على التقنيات والهواتف الذكية كما في الحكاية سالفة الذكر، ففي الأمس القريب كنت مع مجموعة من أبناء جيلي نتابع بعاطفة جياشة قناة «دبي زمان»، التي تعرض المسلسلات القديمة، كنّا ــ وبحنين للماضي ــ نسترجع الذكريات، وفي اليوم التالي جلست مع أبنائي أتابع القناة نفسها، لم تمضِ دقائق حتى تأفف الجميع ليتركوني وحيداً أمام الشاشة.

حكيمة هي سياسة دولة الإمارات التي عينت وزيرة للشباب، أرادت أن تَخلق التوازن بين احتياجات الشباب وخبرة بقية الوزراء، وأعظم ما في هذه السياسة هو تخليها عن الكبرياء الذي يحمله مثلنا الشعبي «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة»، تعيين وزيرة الشباب في العقد الثاني من عمرها، لم يكن نتيجة فكر مُترف أو استعراض إعلامي.

وأخيراً؛ أقول لوزيرتنا الشابة: أخبرينا عن فهمك للواقع، وعن المستقبل الذي يطمح إليه أبناء جيلك، كلمينا عن رغبات الشباب واحتياجاتهم وأذواقهم.

المصدر: الإمارات اليوم