علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

أوطانٌ لا تحلم!

آراء

أقبل كغيري من الناس وجود السوء والبذاءات في هذا العالم، وأعلم أنها تزدهر في أيامنا كما لم تزدهر من قبل. فالمحاصيل الرديئة تحظى بحضور ورعاية استثنائية في هذا العصر، ويكفيك أن رجلا مثل جورج بوش حكم العالم ثمانية أعوام متتالية ثم عاد إلى مزرعته، ذهب إلى تكساس وليس إلى جهنم، كما يكفي أن يعيش الإنسان في عالم عربي، جنبا إلى جنب مع السلطة الوطنية الفلسطينية في (دولة رام الله العظمى) حيث يضيق المسؤولون بملابسهم فيخلعونها في بيوت الغير، وحيث سمير جعجع قائدٌ ورمز سياسي كبير في لبنان، وحيث تكون مواطنا صالحا من أهل الخليج!.. فليس خيرٌ من أوطان بلا ذاكرة!

تستطيع أن تفهم أي شيء في الدنيا، إلا التصفيق الذي حظيت به هيلاري كلينتون في الدوحة وجدّة. لا تفهم بالضبط لماذا يصفق الحاضرون – وبحرارة- لوزيرة الخارجية الأميركية؟ صحيح أن أحدا لم يطلب منهم قذفها بطبق أو حذاء، أو حتى استهجان وجودها، لكن لا شيء يبرر هذا التصفيق الحار لوزيرة خارجية بلد له المساهمة الكبرى بمعظم كوارثنا، لو كانت “ذاكرة ما” حاضرة
لصرخت في وجه الحاضرين وفي وعيهم (إن كان ثمة وعي)، هذه المرأة قصف زوجها السودان والعراق من قبل، وقتل منهم الكثير، وهي الآن هنا -وبعد أن قتلت الناس في العراق وأفغانستان- جاءت لتقول لنا: تعالوا لنقتل الراديكاليين الإيرانيين في طهران!

لا شيء في الدنيا أكثر راديكالية من الطريقة التي تدير بها واشنطن سياساتها الخارجية، ولا شيء أكثر إيلاما على النفس من التبعية الخليجية المطلقة لهذه السياسة، أمضينا ثلاثين عاما ونحن نخوض الحروب الأميركية -المعلنة منها والخفية- والنتيجة لا شيء، حاربنا إيران بعد الثورة، ثم انقلبنا على العراق حتى أسقطناه، والآن نعود لإيران من جديد، وفي البحث عن نتيجة كل تلك الحروب والمواقف، تكون الإجابة هي ما نحن عليه اليوم، لم يتغير شيء ولم يزُل خطر من أمامنا، إن كان ما تصورناه يُصنف حقيقةً تحت دائرة الخطر، لم نبنِ الدولة الوطنية كما ينبغي لها أن تكون، وبقينا شركات مساهمة مقفلة، تديرها مجالس إدارة دائمة كمشروع استثماري، الربح فيه لها والخسارة على الجميع، عداها بكل تأكيد!

كانت الثورة الإسلامية في إيران فرصة تاريخية لبناء الدولة الحقيقية في الخليج، المشروع الضد، الثروة في سبيل الإنسان والوطن، لكن، يسقط العراق وينهض دولةً من جديد، وإيران كذلك، ونحن بكل أسف على عهدنا، آبار نفط ترفرف فوقها أعلام وطنية زاهيةٌ ألوانها!

يقول عبدالرحمن منيف في “مدن الملح”: “إن جزءا من الخسارة التي تلحق البلدان أنها تركن إلى الأوهام، وتعيش في الماضي، وتخطئ في قراءة الواقع واحتمالات المستقبل، وكما أن التاريخ ذاكرة، فإن إدراك الجديد ذاكرة أخرى، وقدرة أكبر على مواجهة المختلف والطامع والعدو، فإذا لم يحسن استيعاب دروس التاريخ، ولم يجر معرفة الجديد، فإن كل شيء سوف يتحول إلى ذكريات وأغاني حزينة”!

أخطر ما يمكن خسارته لدى الإنسان هي الذاكرة، بدونها تستحيل الأحلام والمشاريع، وهي تحديدا ما يراد لهذه المنطقة أن تخسره إلى الأبد، انظروا إلى المدينة في الخليج، الشوارع، الناس، المطارات، الهوية، لا شيء بات يعبر عن حقيقة هذه الأرض، ولا شيء يدل على وجود الذاكرة، وهذا الجيل الذي صفق في الدوحة وفي دار الحكمة في جدة لهيلاري كلينتون، لا يملك سوى ذاكرة الوزيرة، وقد قالت لهم: “إن على العالم التصدي للإرهاب، خصوصاً إنتاج الأسلحة النووية، ومن المهم تقنين إنتاج الطاقة النووية لتستخدم في الأغراض السلمية، لكن إيران تعمل على دعم الإرهاب وتغذيته، هناك عدد من الإرهابيين يقيمون فيها ويجب مواجهتهم”!

جيد، لقد أصبحت لدينا ذاكرة جديدة، من قال إن الأغاني الحزينة لن تعود؟!

العرب القطرية