أيمكننا أن نسكن الأرض شعرياً يوماً ما؟

آراء

«ما الذهن إلا غيمة غامضة وكثيفة وهي مصدر الوضوح» – أدغار موران

هي هذه الأسئلة الحقيقية التي تتولد في الذهن عن الذهن، كون الإنسان مركباً من دماغ وثقافة، بني على أساسهما الذهن، هذا المكون الأساسي لحياة الفرد، ومنذ أن انبثق في الوجود وهو يسأل من أنا، واليوم وقد بلغ من الجهل مبلغاً يؤكد سعة معرفته الجاهلة، وإدراكه بأنه يعرف من قاده إلى كينونته الغامضة، فكلما عرف الإنسان، ازداد وعيه بجهله، تأذ يدفعه إلى مزيد من الاستغراق في البحث عن ضالته التي لا تأتي، وكلما جاءت ذهبت في عميق تساؤلاته، وغزير عطائه الذي ليس دائماً في حالته الصحية، فهو الإنسان نفسه الذي كتب الشعر، وهام حباً بالحبيبة، وأغرم بجمال الوردة هو نفسه الذي أوعز لإنتاج السلاح النووي، وكأن أينشتاين عالم الفيزياء الفذ، وصاحب نظرية النسبية، قد هلل باكتشافه النواة الذرية فنادى عن فرح بهيج للرئيس الأميركي الأسبق روزفلت، بأن بإمكان أميركا صناعة القنبلة الذرية، وهو نفسه الإنسان المتمثل في بول بوت زعيم الخمير الحمر في كمبوديا الذي أعدم أكثر من ثلاثة ملايين كمبودي، فقط لأنهم وضعوا

القبعة على رؤوسهم، متهمين بالميول البرجوازية، وكذلك هتلر هو نفسه من سلالة الإنسان، وهو نفسه الذي أباد، أو تسبب في قتل أكثر من سبعة ملايين من البشر خلال حربين متواليتين غيرتا من وجه العالم، وهو نفسه هيمنجواي أعظم روائي أميركي صاحب رواية الشيخ والبحر، الذي انتحر أخيراً لأسباب سوداوية انتابته، على حين غرة، وأمثلة كثيرة للإنسان العصري إنسان الوعي المتحدر من العقل الازدواجي، المتعدد، المتفجر من تشعبات الخيال الإنساني، الذي لم يعد قادراً على إثبات فردانيته، ولا اجتماعيته، ولا إنسانيته، لأنه مثل كونه الفسيح الغامض، بل هو من صلب هذا التفسخ الكوني، القادم من لا متناهية مبهمة، أدت إلى تداخل الذاتية مع الكلية، ما دفع بالفكر البشري إلى ولوج العالم بحالة شعورية ملتبسة، وبلا شاعرية، ومهما اجتهد الإنسان بأن يخرج من بدائيته، فهو يحن إلى كوخه الأول، ليدخل الظلمة، وينتهي إلى لا شيء، وكأن الحضارة هي حلم ذات ليلة بائسة.

المصدر: الاتحاد