نجيب الزامل
نجيب الزامل
كاتب سعودي

إلى من يترك بلده.. بحثاً عن الأمان!

آراء

.. فلنواجه الحقيقة وننظر بعينها ونقول: نحن قلقون!

كان هذا أول ما سأقوله ردا على طلبة سألوني وهم يلاقونني عرضا بمكان عام، ثم جلسنا بمقهى، وصاروا يعدون أسباب القلق الكبرى التي تساورهم لأنهم هم من سيكونون هناك في المستقبل بعد أن تنقشع سحابات كثيرة عن الواقع الاقتصادي والبيئي والسياسي والمصدر الطبيعي.

قالوا: “هل لنا الحق أن نقلق؟ بل نحن قلقون فعلا”. كنت أحاول أن ألتقط أنفاسي لأردّ عليهم، وقلبي يرجف بين الوريد والشريان عطفاً عليهم وحباً، فقد كانوا بحالة نفسية فيها براحٌ حطّ عليه الإحباط والخوف والتخوّف، وقرأوا كثيرا لمن يثيرون كل مخاوف الدنيا وينثرونها على عيونهم من تراب بلادهم.. وهم بلا حيلة، ويضربهم الواقع بقبضاته من الرأس حتى تحت الحزام.

بدأ “رائد” وهو أجرؤهم على التعبير والحديث – والاسم مستعار لأمر واضح- ويقول: “أمس في مجلس فيه أبي وأصدقاؤه من رجال الأعمال والموظفين وشخصيات معروفة، كانوا يتحدثون عن هروب الأموال للخارج، وعن هجرة جماعية للاستثمار الخارجي البديل، وأن إحدى العواصم الإسلامية الكبرى صارت مزاراً عاديا لكثير من السعوديين يبحثون عن فرص استثمار واستقرار كبديل آمن”.

وكان لابد أن أستعيذ بالله أولا. وقلت لهم: “قد يكون صحيحا بعض هذه المخاوف، ولابد أن نكون شجعاناً ونعترف ان هناك مسببات كي نقلق، فالوضع السياسي مضطرب بالمنطقة، ووصل الأمر بالفلتان النظامي العالمي في المسألة السورية أن العالم لا يحرك قشة. إذن القلق واجب، وهنا هو أمر صحيح”.

وتابعت: “غير الصحيح هو أن نستسلم للقلق، ولا نحاربه ونصده، وهذا الأمر الطبيعي، لأن كل الأمم تمر ومرّت بالمحن الكبرى، ولا يهرب من مقاره إلا الخفافيش، وقالها “كافكا” لما حاول نمساويون الهرب من البلاد في أيام النازي، ودارت كلمة هذا الرجل الذي رغم أنه يعد من أكبر المتشائمين الحالكين في الأدب الأوروبي لتوقظ الحس الضميري النمساوي فصارت جملة “أنا لست خفاشاً” تدور بالمدارس والجامعات والمصانع. لن أقول لكم يا شباب ما قاله كافكا. سأقول لكم شيئا آخر”.

ورسمت أمامهم جبلا، وتحته قارب صغير تتلاعب به أمواجٌ عملاقه، وقلت: “انظر لو أنك في قمة جبل وترى القارب المضطرب تعصف به الأمواج وتهز شراعه الرياح تزمجر وتمزقه.. ولكنك ترى أيضا الساحل الهادي الجميل قريبا من القارب. ولكن لما تنزل تحت الجبل سترى البحار بالقارب مضطربا ويائسا من النجاة لأنه لا يرى الساحل القريب الهادئ الآمن الذي كنت تراه وأنت بقمة الجبل. إني أومن أن كلّ أمةٍ كانت يوماً وستكون يوماً في ذلك القارب، والشعوب العظيمة هي التي آمنت ووثقت أنها ستصل بالقارب للساحل، لأن هذا هو جوهر مهمتها. إذن مهمتنا كلنا لا تظهر حقيقة كشعب يرتبط بأرضه ووطنه وينتمي له إلا بالظروف الصعبة عندما نصمد كلنا حتى نصل معا للساحل الآمن.. وسنصل بإذن الله.

وشيئان آخران:

أولاً- أمورنا تدل على خير، وستنتهي على خير بإذن الله.

وثانيا- وهنا اسمعوني وافهموني جيدا:

من يخرج من بلده يبحث عن الأمان، فإنه لن يجده أبدا. لأن الأمان تركه هناك.. لما ترك بلده”.

المصدر: صحيفة اليوم السعودية