«إيبولا».. «الفيروس الشيطان» انتقل من الخفافيش آكلة الفاكهة إلى البشر

منوعات

0105947364df5919cf8529cdab27fdd8_w570_h650

كلايف كوكسون وشون دونان وأندرو وارد من لندن

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخطر على بال توماس فريدين، رئيس المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض، الذي سبق له أن خدم لمدة 30 عاما في الصحة العامة، من حيث مقارنته بالوضع الحالي لمخاطر وباء “إيبولا”، هو “الإيدز”.

أما “بروس آيلوورد”، وهو زميل له وخبير في الصحة العالمية، فيشبه الجهود اللازمة لنشر آلاف الأطباء والممرضين في غرب إفريقيا بكفاح منظمة الصحة العالمية ضد مرض شلل الأطفال- الذي كانت تحت قيادته. أخذت تلك الجهود ما بين 10 أعوام و20 عاما لكي يتم تجنيد كادر طبي للاستجابة لهذا المرض، أما بالنسبة لـ”إيبولا” فأمامهم فقط “أسابيع”.

كان الطبيبان، “فريدين” و”آيلوورد”، يعبران عن القلق الذي يشعر به القادة السياسيون بسبب الأزمة الإنسانية المتزايدة والتهديد بتعريض استقرار إفريقيا وما وراءها لأخطار جسيمة. اشتدت المخاوف العالمية من انتشار “إيبولا” بعد كشف معلومات عن أن ممرضة إسبانية سقطت صريعة المرض بعد إصابتها في مدريد، ووفاة رجل آخر في تكساس كان التقط الفيروس في ليبيريا. وخلال 24 ساعة من ورود هذه الأنباء أعلنت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن خطط لإجراء فحوصات للمسافرين القادمين، بحثا عن أية علامات على “إيبولا”، بينما حاولت حكومات عديدة حول العالم تهدئة الذعر العام بعد أن شهدت مرضى وهم يُفحصون للكشف عن الفيروس في دول عديدة خارج منطقة غرب إفريقيا.

ووجه ثلاثة رؤساء لدول من غرب إفريقيا في مؤتمر قمة عقد في مركز الأوبئة في واشنطن يوم الخميس الماضي، نداء للمجتمع الدولي للتعجيل بجهوده في الرد على المرض، محذرين من أنهم بحاجة لمزيد من المساعدة الطبية لاحتواء الفيروس.

كان إرنست باي كوروما، رئيس سيراليون، واضحا تماما وهو يعبر عن حاجات بلاده. فمن أجل التصدي إلى ما سماه “الفيروس الشيطان”، قال “كوروما” خلال اجتماع عقده البنك الدولي، إن هناك حاجة إلى عدد إضافي من الأطباء والممرضين يبلغ 750 طبيبا وثلاثة آلاف ممرض. وقال الدكتور آيلوورد، الذي ينسق حملة منظمة الصحة العالمية لمواجهة الـ”إيبولا”، إن هذه تقييمات معقولة. ولاحظ أن عدد الأطباء في سيراليون يقع في خانتين (أي أقل من 100) بينما يظهر عشرات من المرضى الجدد يوميا.

وتبين أرقام منظمة الصحة العالمية الرسمية وجود 8399 إصابة، 4033 منها انتهت بوفاة المريض. أما الحصيلة الحقيقية فهي أعلى بكثير لأن الإبلاغ الدقيق مستحيل في الوقت الذي تنهار فيه البنية التحتية الصحية في المناطق الموبوءة.

وقالت منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها، إن الوضع في غينيا وليبيريا وسيراليون مستمر في التدهور، مع انتقال واسع ومستمر للفيروس.

وأضافت “لا يوجد دليل على أن الوباء في غرب إفريقيا أصبح تحت السيطرة”.

وأصيب عدد كبير ومفزع من العاملين الصحيين بالمرض من جراء اتصالهم بالمرضى، إذ بلغ عدد المصابين 401 مات منهم 232. ويعترف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن إرسال عدد كبير من الأطباء والممرضين سيكون أساسيا لتعويض النقص في العاملين المحليين، إذا أريد كسب المعركة ضد المرض. ومن أجل طمأنة العاملين المحتملين لهذه المهمة، بدأوا يخططون لنظام إخلاء طبي لإخراج العاملين الصحيين جوا للعلاج في الخارج.

لقد تم ارتكاب أخطاء حتى في أفضل المستشفيات الغربية تجهيزا، مثلما تظهر حالات كل من “تيريزا روميو” و”توماس إيريك دونكان”. أصيبت السيدة “روميو” أثناء عنايتها بكاهن كان قد أعيد إلى وطنه بعد إصابته بالفيروس في إفريقيا. وتشير تقارير إلى أنه بالرغم من أنها كانت ترتدي ملابس واقية، إلا أنها لم تتبع طرق السلامة الملائمة. وسبق أن أرسلت هذه الممرضة إلى بيتها إثر طلبها مساعدة طبية بعد ظهور علامات المرض عليها لأول مرة، الأمر الذي زاد من مخاوف نقلها المرض إلى آخرين. وحدث الشيء نفسه لـ”دونكان” الذي توفي يوم الأربعاء الماضي، وكان مستشفى في تكساس قد أرسله إلى بيته بعد مراجعته لقسم الطوارئ في المستشفى يوم 25 أيلول (سبتمبر) عقب ظهور علامات مبكرة على إصابته بمرض “الإيبولا”، حتى بالرغم من قوله إنه زار أخيرا غرب إفريقيا. وبعد مرور ثلاثة أيام على ذلك، أُدخِل في النهاية إلى المستشفى بعدما ساءت حالته، وبعد اتصاله بعدد من أصدقائه وأفراد عائلته.

وإذا حدثت مثل هذه الأخطاء في أوروبا والولايات المتحدة، فستكون إمكانية حدوث أخطاء في دول غرب إفريقيا التي تعاني نقصا في التجهيزات أكبر بكثير من ذلك. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن غينيا وليبيريا وسيراليون – التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة 20 مليون نسمة – تحتاج إلى 4300 سرير لمعالجة مرضى “الإيبولا”، علما أنه يوجد فيها أقل من 1100 سرير.

وكان القلق العالمي المتزايد حول فيروس إيبولا في معظمه نقاشا حول الصحة العامة، لكن يوجد أيضا قلق من حدوث تداعيات اقتصادية أوسع من ذلك.

يقدم الاقتصاديون في البنك الدولي صورة قاتمة لما يمكن أن يحدث في الـ15 شهرا المقبلة، إذا لم يتم احتواء تفشي المرض، مع مطالبة بعضهم بتنفيذ “خطة مارشال” لمساعدة كل من غينيا وليبيريا وسيراليون على إعادة الانتعاش لاقتصاداتها بعد انتهاء هذه الأزمة.

وكتب اقتصاديون في البنك في تقرير لهم، أنه لو قدر لهذا المرض أن ينتقل إلى الدول المجاورة فقد تصل تكلفة الآثار الاقتصادية الناتجة عن ذلك في دول غرب إفريقيا وحدها، حتى نهاية عام 2015، إلى 32.6 مليار دولار. والخوف من المرض يمكن أن يدفع ببعض العاملين إلى البقاء في بيوتهم، أو إغلاق بعض الأعمال، ويمكن أن ترتفع تكلفة النقل وتتباطأ التجارة وتجف مصادر عائدات الحكومات، كما أن الحلقة الاقتصادية المفرغة سوف تجعل الحكومات الهشة في وضع أسوأ حتى من قبل.

ويعترف كل المرتبطين بالمشكلة بأن رد الفعل الدولي كان بطيئا جدا وغير كافٍٍ. وقال جيم يونغ كيم، الخبير في الأمراض المعدية الذي يرأس حاليا البنك الدولي “ما نزال بعيدين جدا في سيرنا خلف ذلك المنحنى. علينا أن نزيد من سرعة ومعدل الرد العالمي على هذا المرض”.

ويبدو أن التحذيرات المخيفة دفعت بعضهم إلى اتخاذ بعض الإجراءات. فقد تعهدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين بتسريع استجابتها، على الرغم من قول الأمم المتحدة، إنها جمعت فقط 250 مليون دولار من مليار دولار مستهدفة لمكافحة تفشي المرض.

وقالت جيايي زاو، المديرة العامة لوزارة المالية الصينية، إن بكين أرسلت 200 من العاملين في الشؤون الصحية إلى البلدان المصابة وعرضت دعما وتجهيزات بقيمة 200 مليون دولار. وأضافت: “الصين جاهزة لعمل المزيد عند الضرورة”. كذلك وصل فريق كوبي قوي مكون من 165 عاملا في المجال الصحي إلى سيراليون.

لكن لا يزال حجم الاستجابة الضرورية مرهقا إلى حد كبير، وما زالت التكلفة ترتفع في كل يوم. وقال الدكتور فريدين “كان بالإمكان وقف الوباء بإنفاق أقل من 1 في المائة مما نحتاجه الآن”. وقال ديفيد نابارو، المنسق الخاص في الأمم المتحدة لشؤون الاستجابة لـ”إيبولا”: “كل دولار ننفقه الآن يساوي في قيمته 20 أو 30 دولارا خلال أشهر من الآن”.

أما خارج إفريقيا، فقد أدت التطورات الأخيرة إلى انتشار مخاوف عامة. وعلق جوليان هيسكوكس، أستاذ العدوى بالأمراض والصحة العالمية في جامعة ليفربول، على ذلك بقوله، “لا يجب أن نصاب بالذعر كما لو أننا سنواجه المعركة النهائية الفاصلة (…) خلال 30 يوما من الآن”.

وذكرت وسائل إعلام في المملكة المتحدة أن مدير مدرسة في مانشستر ألغى قبول ولد جاء من سيراليون، بالرغم من إصرار المسؤولين على أنه لا يشكل خطرا على التلاميذ أو العاملين في المدرسة. واعتبر خبراء طبيون القرارات التي اتخذتها حكومات كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بإجراء فحص للقادمين في بعض المطارات على أنه تدبير لتهدئة المخاوف لدى الجمهور.

وقال بن نيومان، خبير الفيروسات في جامعة ريدينغ “لا أعتقد بوجود سبب علمي قوي يبين أن فحص المطارات سيساعد في إبقاء “إيبولا” خارج المملكة المتحدة، لكنها خطوة لطمأنة بعض الناس”. وأضاف “الفحص يبدو فكرة جيدة، لكن أغلب الناس المؤهلين جيدا للسفر على طائرة سوف ينجحون في إجراءات الفحص الجديدة بغض النظر عما إذا كانوا مصابين بالمرض أو لا”.

وينتشر المرض بصورة رئيسة من خلال الملامسة المادية مع سوائل الجسم المصاب، خاصة الدم والبراز والقيء. كما يمكن التقاطه من الأسطح والأجسام الملوثة، بالرغم من إمكانية تجنب هذا بالنظافة والتعقيم.

ويقول علماء الفيروسات، إن “إيبولا” لا يمكن أن ينتقل من خلال الهواء على شكل جسيمات صغيرة جدا أو قطرات صغيرة، كما تفعل فيروسات الإنفلونزا أو الحصبة أو جدري الماء. وبالرغم من أنه يتعرض لطفرات جينية مستمرة، شأنه في ذلك شأن أي ناقل للمرض من شخص لآخر، إلا أنه لا توجد سابقة لأي فيروس آخر يتعرض لمثل هذه التغييرات الجينية، وهو ما يلزم الفيروسات المحمولة على الهواء.

ويعتقد أن أغلب حالات تفشي المرض، إن لم تكن جميعها، من التي سجلت في وسط إفريقيا منذ أول ظهور لها في عام 1976، بدأت عندما انتقل الفيروس إلى الناس من الخفافيش الآكلة للفواكه، وهي الكائنات الحاضنة للفيروسات.

كان بيتر بيوت، رئيس كلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي، من بين من شاركوا في اكتشاف هذا الفيروس. وهو يقول، إن أكبر تغير محتمل في المرض إذا أصبح مستوطنا في المجموعات السكانية، هو أن يصبح أقل خطرا. ومع ذلك حتى “الإيبولا” الأقل فتكا سوف يشكل كارثة عالمية أذا أصبح مرضا مستوطنا في البشر.

لكن الرئيس كوروما لديه مخاوف أكثر إلحاحا. فقد قال في واشنطن، “إن شعبنا يموت. بدون مساعدتكم لن نستطيع الانتصار على المرض”.

المصدر: الاقتصادية – FINANCIAL TIMES