ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

اتركونا.. لا تمدحونا فتحرجونا!

آراء

ــ بعض المدح من أشخاص تسيّرهم المصلحة والمنفعة، سالكين طريق الرياء والنفاق، يكون أشد من الذم، لأنه يفتح أبواباً للمتنطعين والحاسدين والأعداء للطعن، وكَيل الأذى والشتم، لذا لا نريد من بعض الجهلاء أن يثقلوا علينا بمدحهم الساذج الذي لا يأتي من ورائه غير البلاء، فيكون أشبه بالقدح والذم.
ــ بعض المدح يأتي من أشخاص لا نعرفهم، ولا نعرف عنهم، ولم نطلب مدحهم، لأن قيمة المادح من قيمة الممدوح، فلا يصح أن يكون الممدوح صادقاً، والمادح كذّاباً.
ــ بعض المدح إن لم يكن في محله، وفي وقته، ويتناسب وقامة الممدوح، عُدّ من هذر الكلام، وكَيل المديح الذي يترفع عنه الممدوح، لعلّة في المديح، وعلّة في المدّاح.
ــ بعض المديح لا تشتريه، ولا تشتري قائله بمثقال حبة خردل، ولا يساوي كلمة شكر، لأنك إن شكرته ربّيت في نفسه غطرسة الكذب، وافتراء البهتان، والقول في الناس بما لا فيهم.
ــ يقول مولانا جلال الدين الرومي: «كل عين تراك، على قدر حبها لك»، ما عدا المدّاح الذي تزوَرُّ عينه عنك إن قل العطاء أو وجد طريقاً أسهل لممدوح بعيد أو ممدوح يجاهر بعداوتك.
ــ بعض المديح الساذج، والمبالغ فيه، والذي تشم فيه رائحة الكذب البائت، هو طريق عَبّدَه الشيطان لعبور مريديه واتباعه والغافلين عن ذكر الله.
ــ كل إنسان يطرب للمدح الصادق، بقدر نفوره من الذم الكاذب، لأنهما متساويان في الميزان، ويميزهما الإنسان العاقل، ولا يقبل عليهما إلا الرعديد والجبان.
ــ المديح الكاذب يذهب جفاء، والذم الصادق يمكث في الأرض، هذا ما تعلمناه من قصائد المتنبي المتملقة في مدح كافور الإخشيدي، والتي تخطت أصابع اليدين، والذي يستحق أكثر منها، وأصدق منها، كرجل صالح وشريف، بينما قصيدة وحيدة ويتيمة قالها المتنبي بحرقة، بقي الناس يذكرونها، ملصقينها بالمادح والممدوح، متناسين كل المديح الساذج والمجاني والكاذب، والذي يراد من ورائه هدية وعطية وشفيّة.
ــ امدحوا جهود الإمارات وعطاءها وبذلها وإسهاماتها الإنسانية وتقديماتها الخيرية، ولا تمدحوا الإمارات، امدحوا تقدمها، وما تسعى إليه من حب وتسامح وإخاء وتعاون، ولا تمدحوا الإمارات ومراكزها المتقدمة على بعض الدول، وريادتها في كثير من الميادين، وما نالت من قصب السبق، لأنه ليس كل الناس تفهم بحب، وتأخذ الأمور عن حب، وتعي معنى النجاح والسبق، دون أن توغر نفوسها، وتثار حفيظتها، وتحركها الشخصنة، وتورم الذات، لذا رجوتنا الوحيدة، وخاصة للمديح غير الصادق، والمنفعي، والذي يجافي الواقع، والآتي من أشخاص غير واعين: اتركونا.. لا تمدحونا، فتحرجونا!
المصدر: الاتحاد