استراحة اللاعب

آراء

تحدث معي الأخ عبد الحميد الجحدلي قائلاً:

تخيل أنك تجد فتاة مغمى عليها وسط الطريق، فتبادر أنت لأخذها إلى المستشفى.

قلت له: جزاك وجزاني الله خيرًا.

قال: ولكن بعد الفحص، تتفاجأ بالدكتور يبارك لك بالمولود القادم، فتقول له: لكنني لست والد الطفل، وإذا بالفتاة تصرخ بوجهك: بل أنت والده وتصر هي على ذلك.

وبعد مشادة كلامية، تطلب فحص (DNA)، وبعدها يخبرك الطبيب بأنك لست والد الطفل، وأنك لا يمكن أن تكون كذلك، لأنك بكل بساطة عقيم.

فتخرج من المستشفى وأنت سعيد وحزين، سعيد لأنك بريء، وحزين لأنك عقيم، وفجأة تتذكر أنك متزوج وعندك ثلاثة أبناء، وتأخذ تضرب أخماسًا بأسداس وتتساءل: من أين أتوا إذن وأنا عقيم؟!

قلت له: يا ساتر استر.

قال: ثم استيقظت من النوم ففرحت أنك كنت تحلم، وتناولت كأسًا وشربتها من شدة العطش، وفجأة تذكرت أنك صائم، ونظرت إلى الساعة وإذا هي العاشرة، وتذكرت أنك تأخرت على الدوام، وذهبت إلى سيارتك غير أنها لم تشتغل، فسارعت وركبت سيارة تاكسي، وعندما وصلت إلى المكتب وجدته مغلقًا، وتذكرت أن اليوم هو الجمعة وما في دوام – انتهى.

منك لله يا ابن الجحدلي، لقد جحدلتني عندما جعلتني أتخيل نفسي بطلاً لهذا الحلم العفش الذي كله (بطانيج).

وللمعلومية فالجحادلة ينتمون لقبيلة شديدة المراس، واحتفظوا بتسميتهم هذه منذ الجاهلية الأولى حتى الآن ولم يتبدلوا، رغم أن الكثير من القبائل تبدلت أسماؤها عبر حقب التاريخ.

ودعوني لأول مرّة أدخل في فلسفة اللغة، وأقول: إنه ورد في (لسان العرب): أن (جحدله) تأتي بمعنى صرعه وقذه، عندها فقط تذكرت بيت الشاعر المهبول (مالك بن الريب) الذي جاء فيه:

علام تقول السيف يثقل كاهلي 

إذا جرني من الرجال المجحدل

والرأس إذا قطع يتجحدل، والحمد لله أن رأسي الذي يشبه (الحنضلة) ما زال بين كتفيّ ولم يتجحدل بعد.

وبما أن غدًا يبدأ رمضان الخير، وبما أنني من أول يوم في هذا الشهر الفضيل أفطرت فيه عز النهار، فكان لا بد أن أكفر فيه عن ذنبي، صحيح أنه كان مجرد حلم افتراضي، غير أنني لا ألعب في هذه الناحية حتى مع الأحلام.

لهذا قررت وأنا بكامل قواي العقلية تقريبًا، أن أتوقف عن الكتابة وأعطي نفسي إجازة في هذا الشهر، وسوف أشد مئزري، وأوقظ أهلي، وأحيي ليلي، وأربّط شياطيني، وأغلق فمي، مبتعدًا عن كل المناكفات، والموبقات، والملذات، والمسامرات، والمهاترات، والمغامرات، والتهكمات، والملاسنات، والمطارحات، والمداعبات، والمغازلات ما ظهر منها وما بطن.

إنها مجرد استراحة لاعب، لا استراحة محارب.

المصدر: الشرق الأوسط