عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

اقتصاد الإدمان (3)

آراء

قد تستغرب عندما تمرّ بمقهى راقٍ في مركز تجاري، مثل دبي مول، وترى طابوراً على ذلك المقهى. أنت تعلم في قرارة نفسك أن القهوة التي يبيعها هذا المقهى لا تختلف كثيراً عن تلك التي يبيعها المقهى المجاور. ربما يكون لدى هذا المقهى حلويات جيدة، لكنها لا تعجب الكل بالضرورة، ويوجد لها نظير في المقاهي الأخرى.

المؤثر من يستطيع تكوين أو توجيه رأي عام، أو يغير فكراً سائداً، أو يأتي بطريقة تفكير جديدة.

وحتى الأطباق ليست بالضرورة محصورة لديه، إذاً فلماذا الطابور؟ قف لمدة 10 دقائق وربما أقل، وراقب سلوك الناس، ستجد صنفين بارزين:

الأول: نصف مجموعة تتحدث، ونصفها الآخر لا يشارك.

الثاني: مجموعة لا يتحدث أعضاؤها لأنهم مشغولون بهواتفهم الذكية.

نعود للطابور الذي تفسيره واحد: سوشيال ميديا! فكل هؤلاء يريدون مشاركة أصدقائهم وأحبابهم تلك الصورة الجميلة الرائعة، صورة يتهافت عليها الجميع ويغمرونها باللايك، والتعليقات المنبهرة بالشيء العجيب والغريب والمذهل الذي فعله ملتقطها! فهو، أو هي، لم يذهب إلى قمة إيفيرست ليأكل كعكة! وحتماً ليس في القطب الشمالي يحتسي قهوته بجانب دب.

الصورة الجميلة العجيبة المبهرة هي لكعكة وكوب كابتشينو، أو حتى شيء متوافر في المنازل، مثل فنجان قهوة عربية. شاب، أو شابة، التقطها وحملها على حسابات السوشيال ميديا! هذا هو الجانب الآخر من العلاقة بين شركات التقنية والمستخدمين: وهو إدمان التفاخر في المظاهر.

السوشيال ميديا.. التواصل الاجتماعي.. الإعلام الاجتماعي.. سمها ما شئت، ولو كانت شيئاً واضحاً لظلت بتسمية واحدة. منصات إدمان صنعتها شركات لرفع قيمة أسهمها، وتعلق بها بشر عاشقون للمظاهر. إنها المعادلة المثالية لأسلوب حياتنا في هذا العقد على الأقل.

منصات السوشيال ميديا حوّلت البسيط إلى نجم، وقلبت النجم إلى بسيط، فعلاً أداة سحرية يتسابق الجميع على مشاركة الآخرين حياتهم الخاصة (كعك، ذهب، مقعد درجة رجال الأعمال، عشاء خاص مع العائلة أو الأصدقاء)، وكأن انتهاك الحياة الخاصة بإذن خاص من أصحابها، تحول إلى أهم الأخبار.. والمتابعون يتهافتون.. واللايكات تنهمر ويغرق المجتمع في التفاهات.

أو «سوالف» أو قصيدة أو حكمة أو نصائح دينية، نسخها صاحب حساب من آخر، والاثنان ليسا أهلاً لتقديم نصائح. واللايكات تنهمر والمتابعون يتزايدون، والسؤال المطروح هنا: هل تلك الأعداد حقيقية من ناحية منطقية؟ والسؤال الثاني: هل هؤلاء مؤثرون فعلاً كما يدعون؟

هل من المعقول أن يتابع حساباً معيناً آلاف أو ملايين البشر، وكل مشاركاته هي صباح الخير ومساء النور وصورة فنجان قهوة أو فيديو مضحك!

المؤثر من يستطيع تكوين أو توجيه رأي عام، أو يغير فكراً سائداً، أو يأتي بطريقة تفكير جديدة، وليس من يضع سكرين شوت لرسالة نصية من مؤسسة خدمية تبلغه بسداد فاتورة يستهزئ بها، أو يصور دلة القهوة أو يشارك بـ«ستوري» محتواها تافه.

بالعربي: من علامات انحطاط الأمم تساوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. تزايد الحمقى في المجتمع سببه السوشيال ميديا التي لا تفرق بين الوجيه الرزين والأحمق المهرج. والكل مقتنع أنه صنع شهرة لنفسه، بينما حقيقة لم يصنع سوى وهم ولم يجلب لنفسه إلا حماقة.

المصدر: الإمارات اليوم