الأمة الإسلامية بلغة القرون الوسطى

آراء

لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ أكثر من مئة عام وهذا السؤال يتكرر بصيغة (الغرب والمسلمون)، لأن السائل لم يدرك أن العالم لم يعد الغرب المسيحي في صراعه مع الشرق المسلم، فتلك القرون الوسطى انتهت، وبدأت لغة جديدة سقطت فيها الإمبراطوريات والملكيات التابعة للكنيسة بشكلها الكلاسيكي، فكل هذا حدث في الغرب وانتهى عصر الحروب الصليبية، لتبدأ معالم النهضة الأوروبية، والشرق العربي ما زال في وعيه القديم الذي لم يصح منه حتى سقطت (الخلافة العثمانية) ليفيق الشرق العربي على هذه الفجيعة كما رآها كثير من الناس آنذاك، وبدلاً من تلمس ميلادهم الخاص في أساليب حكم تتجاوز بتر الأعضاء وقطع الرؤوس فإذا بهم يستعيدون حمولتهم القديمة في الاستبداد ليستنبتوها عبر الأحكام السلطانية، وسايكس بيكو ليست شرا كلها، فكما كان دعم العثمانيين أيام عزهم لمارتن لوثر في ثورته ضد عنت الكنيسة، الذي تحول مع الوقت إلى مكسب فكري لكل أوروبا، فإن سايكس بيكو جعلتنا نعيش السؤال الوجودي في واقعنا العربي بشكل أكثر صرامة، فحربان عالميتان خاضتهما أوروبا لتنضج أكثر، ويبقى السؤال المفتوح: هو لماذا يظن البعض أن الديمقراطية بشرطها العلماني في الغرب أخرجت هتلر وموسوليني، ولم يتساءل صاحب هذه الظنون كيف تشافت ألمانيا وإيطاليا من هزائمهما بسرعة تفوق ما عجز العرب منذ أيام محمد علي حتى هذه اللحظة أن يحققوه، بل إن رزية اليابان بعد هيروشيما ونجازاكي أشد من رزية العراق في ما أصابه من اعتداء، ولكن استجابة اليابان غير استجابة العراق، والواقع العربي ما زال تائها عن مفصل نهضته، فاليابان (المجوسية) تعافت من القنابل الذرية لأنها كانت قوية في الأصل، وألمانيا (العلمانية) تعافت من التدمير الكامل الذي لحقها، لأنها كانت قوية بالأصل، أما الدول العربية فكانت مجرد أورام يظنها الناظر من بعيد عافية وصحة، يتزعم هذا الورم قيادات تعطي شعوبها وهم العافية على مر عقود، وعند أقرب اختبار لثورة ربيع أو صيف يتفجر هذا الورم قيحا وصديدا، معلنا فجيعة التخلف والأمية والمرض والفاقة، ليس في وجه الأمة العربية والإسلامية فقط، بل في وجه العالم أجمع، تحت صرخة تنتظر عودة الخلافة أو المهدي.

أما الدولة العثمانية فقد حاولت تجنب كبوتها في لقب الرجل المريض، فقد استنفد العثمانيون فرصتهم في اللحاق بلغة العصر، وجاء رجال النهضة العربية يحاولون اللحاق بركب الحضارة، لكنهم كانوا انعكاسا حقيقيا لمنهج بدائي في المعارضة للدولة العثمانية، وبعيدا عن بروباغندا مبررات ما سمي بالثورة العربية، فإن بعض علماء الدين رفضوا فكرة عتق العبيد التي طرحتها الدولة العثمانية ولم يلتزموا بها، واعتبرها البعض من نواقض الإسلام، إذ إن العتق له أسباب شرعية محدودة على الأفراد، ومن نواقض الإسلام في نظرهم (من ظن أن هديه أفضل من هدي النبي الكريم) والحاكم الذي يرفع الرق بالكلية يريد منافسة النبوة في فهمهم الأعوج، فغضت الدولة العثمانية الطرف عن إلغائه بالكلية واقتصرته على بعض الأعراق دون بعض، وغيرها كثير من ضرورات الدخول في العالم الحديث الذي دشنته أوروبا بالفعل، وكانت أميركا في ذلك الحين كالشاب اليافع الذي شب عن طوق إنجلترا، يركض هنا وهناك معتزا بفتوته، محتضنا أبناء المهجر من كل الأرض، ومنهم العرب الأوائل كجبران خليل جبران وغيره، وبقي العرب شوكة في حلق كل تغيير باسم الطورانية أو تركيا الفتاة، فالقومية التركية أصبحت أضيق من ثوب العروبة الذي بدأ يزدهر ولا يكلف الثوار أكثر من تفجير طريق القطار هنا، أو تخريب سكة الحديد هناك، ولورنس ورفاقه يوزعون البارود والسلاح على هذا وذاك.

ونعود للسؤال: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ لنقول إنه سؤال قديم يتناسب وفترة الدولة العثمانية البائدة، والسؤال الذي يتناسب مع عصرنا: لماذا تقدم العالم شرقا وغربا وتأخر العرب، فاليابان تعافت حتى من القنابل النووية، وماليزيا وتركيا وحتى إندونيسيا تحاول التعافي من أمراضنا، الهند وباكستان كانا كفرسي رهان، فما هو الشيء الذي ملأ جسد باكستان تعبا وضعفا وتعافت منه الهند؟ سؤال المصارحة أحيانا موجع والقنبلة الذرية الباكستانية منعت الهند عنها، ولكنها لم تمنع باكستان من فقر الاقتصاد وسوء الحال على جميع الأصعدة الداخلية، أما الهند فها هي تتقدم أكثر وأكثر، والعقلاء يميزون الأسباب، فلا يوجد حل واحد وسبب وحيد نمسك به، ومن يقول بذلك فهو يؤمن بخرافات مصباح علاء الدين، فحتى العفريت إن ظهر من المصباح فسيقول معترفا: سأمنحك كنوز الأرض لتشتري بها كل ما يوحي بالنهضة من بنيان وعمران، لكني لا أستطيع منحك معناها الحقيقي لتجده في سلوك الفرد والدولة.

ختاما، وفي سبيل نهضتنا، لا تجعلوا الإسلام مشكلة في طريق النهضة، ولا تجعلوه حلا لها، الإسلام دين سماوي يعيش به المسلم في كل مكان على هذه الأرض وقد يكون فرنسيا أو أميركيا أو صينيا أو كوريا، وليس برنامج انتخابات يقدمه حزب فينهض بشعبه اقتصاديا واجتماعيا لفترة انتخابية تنقضي ويأتي غيره أفضل منه فيفوز ببرنامج انتخابي أفضل، أو يقدمه حزب في بلد آخر فيسقط الشعب في صراعات طائفية وحرب أهلية لا تنتهي، أو تتقدم به عصابة لا تؤمن لا بالأحزاب ولا بالدول، لتعيد سوق النخاسة بالعبيد والجواري لنرى بأم أعيننا معنى الهستيريا التاريخية في عقول المهووسين رؤوسا معلقة وأيادي مقطوعة وبشرا يباعون. 

المصدر: الوطن