الأمير محمد بن سلمان في طوكيو.. شراكة إنتاج وليست استهلاك

آراء

يصل ولي ولي العهد إلى طوكيو في مهمة تغيير النمط السائد اقتصادياً عن العلاقة السعودية اليابانية في مجالي النفط والبتروكيماويات، ونقلها إلى مجالات أرحب من التعاون في مجالات الصناعة، والطاقة، والبيئة، والبنية الأساسية، والخدمات المالية، والتعليم، والصحة، وتطوير القوى العاملة، وهي رؤية بعيدة تنسجم مع تطلعات 2030، وتلبي احتياجات مبادرات 2020، وتعيد نظر اليابانيين تجاه المملكة من شريك مهم لأمن الطاقة فقط إلى حليف إستراتيجي في المستقبل.

لقد أمضينا ستين عاماً مع اليابانيين في علاقات دبلوماسية وتجارية ونفطية، ووصلنا معهم إلى اتفاقية الشراكة الشاملة نحو القرن الواحد والعشرين في العام 1997، ومع ذلك ما حققته اليابان في دول أخرى كان أفضل مما حققناه معها طوال تلك السنين؛ لأننا باختصار أردنا أن نكون مستهلكين للمنتجات وقطع الغيار اليابانية، وليس شركاء منتجين في مهمة تصنيع مشتركة، باستثناء تجارب محدودة جداً في صناعة وتجميع السيارات، والمواد الصيدلانية.

المملكة اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت آخر في الرؤية الاقتصادية، ولديها أولويات مرحلة كما لديها امتيازات جذب، وتعرف كيف تسوّق أفكارها ومشروعاتها واستثماراتها، وليست بحاجة إلى جهد كبير لإقناع الآخرين بجدوى ذلك؛ فالجميع يدرك -واليابانيون على وجه التحديد- أن العمل في المملكة مريح، ومربح، ويتنامى، ويزدهر مع مرور الوقت، والشواهد كثيرة، حيث تعد اليابان الآن الشريك التجاري الثالث للمملكة، والشريك الاستثماري الثاني لها في مجال البتروكيماويات.

من يعرف الأمير محمد بن سلمان يجده مهتماً بشكل كبير بموضوع نقل التقنية إلى المملكة، وتحديداً في التكنولوجيا الصناعية، والصناعات العسكرية، فضلاً عن الصناعات المتجددة للطاقة، ورؤيته أن تكون المصانع العالمية متواجدة في المملكة، وتقدم منتجاتها بأيدٍ سعودية، وخبرات دولية، وتحصل على امتيازات توريد مضمونة للقطاع الحكومي، ويقلّ معها تكلفة فاتورة المشتريات إلى حوالي النصف تقريباً، ويرتفع معها أيضاً قيمة الناتج المحلي، ومهارة السعوديين وثقتهم في أنفسهم، وقدرتهم على المنافسة في المستقبل، وهذه الرؤية الطموحة لولي ولي العهد ليست على الورق، أو لا تزال تتأرجح بين وقت وآخر في فكره، وإنما بدأت على الواقع بالتعاون السعودي الجنوب أفريقي في مصنع القذائف العسكرية في الخرج، ولا يزال سموه يراهن على صناعات عسكرية قادمة، وأخرى إليكترونية، وثقيلة؛ لأنه باختصار يريد الوطن أن يعتمد على سواعد أبنائه قولاً وفعلاً، ويمهد الطريق أمام آلاف الخريجين للعمل من أجل التغيير وليس التوظيف، وهي أيضاً مهمة أخرى في صناعة الإنسان، وتوطينه، وتأهيله للسوق العالمي الجديد.

ولي ولي العهد في حديثه، ومباحثاته، ومفاوضاته يسوّق رؤية المملكة باتجاهي المنافسة والابتكار، وكلاهما يلتقيان معاً في مهمة نهوض البلد، وتعزيز مكانته، وتعدد شراكاته، ومستوى إنتاجه؛ فالتنافس يكون في سوق مفتوح يقدّم منتجات وصناعات حديثة ذات جودة عالية وفق سياسة البقاء للأفضل، والابتكار يجدّد الأفكار الخلاّقة بلا تقليد للآخرين، وبالتالي لن يحضر إلى المملكة من استثمارات ما لم يكن على مستوى المنافسة والابتكار حتى ينجح، ولهذا لا نستغرب أن يتم التوقيع مع اليابانيين خلال الزيارة الحالية مذكرة تفاهم في البحوث الصحية لابتكار أدوية لعلاجات مستعصية، وابتكار حلول جديدة لمكافحة تقليد المنتجات التجارية، وفي الجانب الآخر آلية للتنافس بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقديم الأفضل، وأخرى لتبادل الأخبار الإعلامية في الفضاء المفتوح تقنياً.

نحن على ثقة من أن العقود الستة الماضية من العلاقات السعودية اليابانية سوف تؤسس لعمل مختلف ونوعي في المرحلة المقبلة، خاصة وأن هناك رغبة من البلدين في الانتقال إلى حيزٍ آخر من العلاقة التي لا يكون فيها النفط وحيداً على الطاولة، ولا نكون معها أيضاً مستهلكين أكثر مما يجب.. وهذا هو الأهم.

المصدر: الرياض