الإجهاد المؤسسي

آراء

تعتبر المؤسسات والمنشآت أنظمة «إيكولوجية» متكاملة، تحتوي على أنظمة فرعية تتكامل مع بعضها بعضاً، وهناك أنواع من الأنشطة التي تتم داخل المؤسسات، منها الأنشطة المؤقتة التي تنتهي خلال فترة زمنية معلومة، وهذه تسمى مشروعات، أما الأنشطة الدائمة والمتكررة التي لا تنتهي فتسمى العمليات. وفي المؤسسات التي يتسم عملها بالتغيير المستمر، ووجود الجديد بصفة دائمة، قد يحدث نوع من الإرهاق أو الإعياء المؤسسي، حيث تستهلك الموارد المتاحة بصفة مستمرة، وتتراكم الأعمال بكثرة، ويصبح الهم الأكبر لكل عضو بالمؤسسة الالتزام بمواعيد تسليم المهام، وقد يؤدي ذلك إلى حالة من التوتر داخل العمل وخارجه.

إن كثرة المشروعات، وسرعة وتيرة التغيير، وكذلك التغييرات الكثيرة في الهيكل التنظيمي، خصوصاً التغييرات غير المخططة، تؤدي إلى حالة من استنفاد طاقة العاملين، كما تؤثر في صحتهم النفسية، وقد يمتد الأثر إلى خارج العمل، فينتقل الإرهاق والتوتر إلى المنزل، وإلى العلاقات الأسرية، ويعتبر الإرهاق والإعياء بسبب ظروف العمل من أكثر أسباب الاكتئاب والطاقة السلبية لدى معظم البشر. وربما زادت ظروف وباء «كوفيد- 19» من هذه المعاناة، حيث أضيفت هموم وأعباء مالية ونفسية على معظم البشر، وربما نلمس ذلك خلال تعاملنا اليومي مع زملاء العمل، وفي الشارع، ومع عائلاتنا.

وحتى يمكن التغلب على هذه المشكلة، لابد أن تنظر المؤسسات بعين الاعتبار لهذه الظروف المستجدة، وبداية تعترف بأننا جميعاً نمر بمرحلة من الإعياء، مصحوبة بصورة غائمة إن لم تكن قاتمة عن المستقبل، وما ستتمخض عنه الأحداث الجارية على الساحة العالمية، والتي لم تعدّ بعيدة عنا، فها هي الحرب الدائرة في أوروبا تلقي بظلالها وأثارها الثقيلة على الأسعار، خصوصاً أسعار الوقود، متبوعة بشح بعض السلع الغذائية.

كل هذه الملابسات تؤثر في الحالة النفسية للجميع.

سيكون مفيداً أن تقوم الشركات باستحداث سياسات جديدة، تهتم بالحالة النفسية لموظفيها، وتقديم برامج للرفاهية، وتقدير جهودهم، وكذلك سياسات تتعلق بالدوام، وساعات العمل المرنة، حيث يمكن انتهاج نهج يجمع بين الدوام في أماكن العمل والدوام عن بعد، كما يمكن أن تتعاقد المؤسسات مع بعض الجهات التي تقدم خدمات في الصحة النفسية لتدريب موظفيها وقياس معنوياتهم بصفة مستمرة، وهناك الكثير من البرامج التدريبية الموجهة لفئة الإدارة العليا والوسطى والفئات الإشرافية، لتساعدهم على الإدارة في مرحلة ما بعد «كوفيد-19»، كما أن هناك مواصفات ونماذج دولية يمكن تبنيها، مثل Investors in Wellbeing أو «المستثمرون في رفاهية العاملين»، التي تقدمها مؤسسة «المستثمرون في الموارد البشرية»، كما توجد حزمة كبيرة من البرامج حول تطبيقات مواصفات الآيزو 45000 ومشتقاتها، كما يوجد برنامج فعال جداً يتم تبنيه في مؤسسات كثيرة في بريطانيا، اسمه Mindful Employer، ويمكن الاستفادة من كل تلك البرامج، وتبني ما يتناسب مع ثقافتنا وبيئات العمل المحلية. يعتبر الإرهاق والإعياء بسبب ظروف العمل من أكثر أسباب الاكتئاب والطاقة السلبية لدى معظم البشر.

المصدر: الامارات اليوم