الإخاء الإنساني مفهومه وأهمّيتُه

آراء

الإخاء الإنساني مصطلح قديم بالنوع حادث في الشيوع، فإن الإنسان منذ نشأته الأولى لا يجهل أنه أخ لأخيه الإنسان، فهو من نسل آدم المكون من تراب، ومن نسل نوح أبي البشرية الثاني، فهو كأخيه الإنسان نشأة وجِبلّة وخصائص أياً كان عِرقه أو دينه أو بيئته، ومهما تباينت معتقدات بني الإنسان بين الحق والباطل، السماوي والوضعي، والعقلاني وغير العقلاني، فإنه يبقى أخاً للإنسان يحس بأنسه وبؤسه، ويتعين عليه أن يسعى لنفعه ويكف عن ضره، فإن تنكر لهذه الحقائق فإنه يكون قد تخلَّى عن إنسانيته وأصبح الجنس الحيواني طاغياً عليه، فيكون ذئباً ضارياً بصورة البشر، على أن الذئاب وغيرها من الأجناس الأخرى تحترم بعضها وتأنس بها، وقلّما تضر أصناف جنسها، بخلاف الإنسان الذي يتخلى عن صفاته الإنسانية فإنه يفسد كثيراً، وهو ما كانت تستشرفه الملائكة حينما اعترضت على خلق آدم، عليه السلام، لولا أن الله غالب على أمره، ويعلم ما في نوع الإنسان من خير يغلب شره.

وهذه الأخوة الإنسانية تحدّث عنها القرآن الكريم، تارة بوصف الآدمية تكريماً، أو وصف الناس خِلقة، أو وصف العباد افتقاراً وحاجة، أو غير ذلك حتى يعلم المرء أنه لا يعيش وحده في هذا الكون، بل إن له شريكاً تعمه الخطابات الإلهية وتجري عليه التكاليف الربانية، وأن ربه سبحانه قادر عليه وأن مرجعه إليه، وسيكون له معه شأن آخر إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

وقد غاب هذا المفهوم الإخائي عن بعض الناس فأصبحوا لا يرون غيرهم إلا بمنظار المخالفة العقدية، فجعلوا العداوة أساساً للتعامل، فعاشوا في وهم الخوف بحيث لا يهدأ لهم بال، ولا يستقر لهم حال، وهم بذلك متناسون القواسم المشتركة التي جعلها الإسلام أساساً للتعايش، بين بني الإنسان، فقد أمر الإسلام ببر الآخر والقسط له، وأباح التعامل معه بيعاً وشراءً وتعاقداً، والمصاهرة منه، وأحلّ ذبائحه مع ما أخبر عنه أنه يدعو غير الله ويشرك به غيره، بل ندب أن يحسن إليه في القول والفعل، وهو ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله مع أهل الديانات المختلفة، ناهيك عن المواطنة الكاملة والحقوق المتبادلة، وكان ينبغي أن تكون هذه المعلومات الشرعية حاكمة على المنهج العدائي الذي يستشعره البعض؛ لأن هذه الأمور أصول، والعداء طارئ، فإنه لم يذكر في الذكر الحكيم والسنّة المطهرة ومراجعنا الفقهية الأصيلة إلا في مقابل الاعتداء، على سبيل دفعه وحماية النفس منه.

فإذا انضم إلى كل هذا ما أوجب الإسلام احترامه والحفاظ عليه، وهي معاهدات السلم والإخاء وحماية حقوق الإنسان، والعمل المشترك على مصالح الإنسان في مختلف الأوطان، والتي قامت بين كل الدول التي تحترم معاني الإنسانية، فإن داعي الإخاء يكون أهم ما يُسعى له وتحيا أصوله وفروعه، فإن هذا الإخاء سيوفر الأمن والسعادة والرفاهة والحضارة للجميع، وفوق ذلك سيجعل رسالة الإسلام ورحمته وهدايته ونوره يصل إلى كل بيت مدر وحجر، وسيفتح آذاناً صماً وقلوباً غلفاً وأعيناً عمياً، ويجعل للكرامة الإنسانية التي أشاد بها القرآن الكريم أكثر من غيره من الكتب والصحف المنزلة؛ سيجعل لها مكاناً راقياً في التعامل بين الناس، ويومئذ يفرح المؤمنون.

إن الإخاء الإنساني الذي سطر الإسلام مفهومه ومدلوله بالتعارف والتآلف والتعاون على البر والقسط وحماية الإنسان من العدوان، هو الذي ينبغي أن يكون ديدن المسلمين وهِجِّيراهم في هذا العصر المتشابك المصالح، المعقد سياسياً، المنهك فتناً وحروباً، فإنه لا سبيل إلى تجاوز هذه الحالات إلا باستشعار الإخاء الإنساني حتى يعطف صانعو أسلحة الدمار وتجار الحروب على إخوانهم، فيصنعوا لهم وسائل الراحة والسعادة بدلاً من وسائل الفناء، ويكسبوهم أنواع المعارف المختلفة التي تنير دروبهم وتجعلهم يتجاوزون تعقيدات الحياة المادية، فإن هذا كله من مقاصد الأديان السماوية ومقتضيات الحكمة الإنسانية.

وفّق الله الجميع لما ينفع الناس ويمكث في الأرض ويفيد يوم العرض.

المصدر: الإمارات اليوم