رشيد الخيّون
رشيد الخيّون
دكتوراه في الفلسفة الإسلامية من أهم مؤلفاته "الأديان والمذاهب بالعراق"، و"معتزلة البصرة وبغداد"، و"الإسلام السياسي بالعراق" و"بعد إذن الفقيه".

«الإخوان المسلمون»: لحظة الخروج من الجنة

آراء

تُعد المملكة العربية السعودية، لأكثر مِن نصف قرن، مأوى لـ«الإخوان المسلمين»، ولولاها ما نجوا من ضربة مصر الناصرية لهم. لذا فإن اعتبارهم، أسوة ببقية الجماعات الإسلامية، جماعة إرهابية، كان قراراً مفاجئاً لهم، ومن يطلع على خفوت لهجة ردهم يشعر أن لديهم أمل بالتراجع عنه. فبعد هذا التاريخ من الصِّلات قد يحصل اختلاف ينتهي باللوم أو القطيعة، ولا يصل إلى اعتبارهم جماعة إرهابية.

بدأت الصلة بُعيد تأسيسهم (مارس 1928)، فعقب التأسيس بشهور وصل موفد من السعودية يطلب مدرسين، وجاءت رسالة إلى حسن البنا (اغتيل 1949): «نرجو التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، الساعة 7 مساءً بإدارة الجريدة، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك ابن سعود، للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة في المعهد السعودي بمكة» (البنا، مذكرات الدعوة والداعية).

بيد أن البنا أراد العمل السياسي فاشترط: «ألا أُعتبر موظفاً، يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين..» (المصدر نفسه). يُفهم من هذا أن البنا أراد له ما كان لمحمد بن عبدالوهاب (ت 1792) في الدولة السعودية الأولى!

وحسب البنا نفسه فإن وزارة المعارف المصرية رفضت الانتداب، وكان الشرط كما جاء على لسان وهبة (ت 1967) موافقة المعارف. فانتهت تلك الفرصة، ولا نعلم حقيقة الرفض أكان من مصر بالفعل أم من السعودية نفسها؟ إلا أن المحاولات استمرت، وعيادتهم لمحافظ المدينة بمناسبة وجوده لإجراء عملية جراحية بالقاهرة، جاءت بهذا الغرض، فقد «كان الإخوان ينتهزون كل فرصة، فيتصلون برجال البلاد العربية والإسلامية توثيقاً للرابطة، ونشراً للدعوة، ومن ذلك زيارتهم للسيد عباس القطان بمناسبة مرضه» (الدعوة والداعية).

فبعد استكمال الفروع داخل مصر بدأ «الإخوان» بـتأسيس فروعهم خارجها، ومن بيروت وغيرها، جرى العمل في اليمن شمالا، ذلك عندما حضر «أمير قصر السعيد» بصنعاء احتفالهم بالهجرة النبوية (1348 هـ) اتصل بواسطته البنا بالإمام يحيى بن حميد الدين (اغتيل 1948) وولده سيف الإسلام (الدعوة والداعية). وجرى الحديث عن تطبيق الإسلام ضد «الإلحادية والإباحيَّة»، والمقصد ضرورة إقامة التنظيم الإخواني!

بعد حين، وما أن تمكن «الإخوان»، وفي حياة البنا، حتى قادوا الانقلاب (1948)، الذي خطط له الجزائري الفضيل الورتلاني (ت 1959) بصنعاء وشاركه في التدبير عبد الحكيم عابدين (ت 1976)، سكرتير «الإخوان» بمصر، مع الضابط العراقي جمال جميل (أُعدم 1948) (الشامي، رياح التغيير في اليمن، العقيل، مِن أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة).

بعدها كسبوا الشاعر محمد بن أحمد الزبيري (اغتيل 1965)، وصار إخوانياً رغم أنه كان زيدياً، وأسس «حزب الله»، بداية عقد الستينيات، وحاول إقامة دولة «الفقيه المحتسب» (المسعودي، محمد الزبيري ومشروع حزب الله).

فإذا كان «حزب الله» اللبناني يعتقد بولاية الفقيه المطلقة، على النموذج الإيراني، فإن «حزب الله» اليمني، ذو التوجهات الإخوانية، اتخذ وصاية الفقيه المحتسب عقيدة، فزيدية اليمن، التي ينتمي إليها مؤسس «حزب الله»، الزُّبيري، لا تؤمن بالعصمة، وبالتالي ليس هناك نيابة عن الإمام، مثلما هي ولاية الفقيه.

نعود إلى «الإخوان» والمملكة العربية السعوديَّة. فقد حج البنا مع جماعة من «الإخوان» (1936)، ولم يتحدث في مذكراته عن لقاء الملك عبد العزيز (ت 1953)، غير أن حفيد الملك الأمير فهد بن محمد، وقد أدرك جده، تحدث عن تلك المقابلة، بما ملخصه: طلب البنا فتح مكتب لـ«الإخوان»، ووافق الملك وسأله عن إدارة المكتب، فاقترح البنا اثنين من «الإخوان»، وردّ عليه الملك: «نسيتوا واحد»، وقال البنا: «من هو»؟ فرد عليه: «أنا، أجل حنا مسلمين، كلنا إخوان مسلمين» (صحيفة الجزيرة، حديث بمناسبة العيد الوطني). وقد نشرت الصحف السعودية صورة البنا وهو يُقبل يد الملك، ويبدو أن نشرها كان بهدف التذكير، خصوصاً أنها نشرت بمناسبة زيارة الرئيس الإخواني محمد مرسي (يوليو 2012).

ليس مستبعداً، أن يكون الملك عبد العزيز، عندما عرض عليه البنا تأسيس مكتب لـ«الإخوان»، قد فكر بأنه ما أن خلص من «الإخوان النجديين» تواً في معركة السبلة (مارس 1929)، كي يأتيه إخوان آخرون أصحاب الواجبات العشر: حمل شارتنا، حفظ عقيدتنا، قراءة وظيفتنا، حضور مجلسنا، إجابة دعوتنا، سماع وصيتنا، كتمان سريرتنا، صيانة كرامتنا، محبة إخواننا، دوام صلتنا (الدعوة والداعية). كذلك هو العارف بما بين الدين والسياسة، وقد اشتهر عنه القول: «الدين طير حر من صاده گنص به». كان رده خلاف ما توقع البنا، وبعده بزمن طويل جاء رد نجله الملك عبد الله خلاف ما توقعه «الإخوان» أيضاً. هذا، وذكرت مصادر عديدة أن «الإخوان» شكلوا فرعاً لهم بالحجاز على الرغم من رفض طلبهم.

بعدها جعلت الظروف الإقليمية السعودية قِبلةً لـ«الإخوان»، بشرط عدم العمل السياسي داخلها، لكنهم عملوا وشكلوا تنظيمات، وتشكل بأثرهم ما عُرف بالسرورية، وهي مزيج مِن السلفية والإخوانية (انظر: كتاب المسبار، العدد1). فمعلوم أن الحج بالنسبة لـ«الإخوان»، وكل جماعة إسلامية، فرصة لابد من استثمارها. إلا أن أول رد عنيف سمعه «الإخوان» مِن السعودية، ما جاء على لسان وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز (ت 2012)، لصحيفة «السياسة» الكويتية ونشرته «الشرق الأوسط» (28 نوفمبر 2002)، في حديث طويل، منه: «إنهم سبب المشاكل في عالمنا العربي وربما في عالمنا الإسلامي». ولعلها إشارة إلى أنهم وراء الإسلام السياسي على العموم، وكان هذا الرد أيضاً غير متوقع مِن السعودية تجاه «الإخوان».

كان قرار اعتبار «الإخوان المسلمين»، إلى جانب التنظيمات الدِّينية الأُخرى، جماعة إرهابيةً، يمثل بداية النهاية لهذه الجماعة. فالسعودية بالنسبة لهم الأرض الخصبة لكسب الأتباع وجمع المال والملاذ عندما يفتقد الملاذ. فقد استفادوا كثيراً من الأحوال السابقة بين السعودية ومصر، ومواجهة التنظيمات اليسارية والقومية، فهيمنوا على التربية والتعليم والمعاهد الدينية.

لا نبالغ إذا قلنا إن طردهم منها يعني أُفول نجمهم كجماعة هزت مصر وبقية البلدان، وامتدت شرقاً وغرباً، وكيف إذا أضفنا مصر في مواجهتهم وهي الرحم! وكذلك اعتبارهم جماعة إرهابية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة؟ إنها لحظة انعطاف كبير في تاريخهم، لنا وصفها بالخروج من الجنة.

المصدر: الاتحاد