حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

الابتعاث وثقافة الفرصة

آراء

عقد خلال اليومين الماضيين الملتقى السنوي السادس للملحقين الثقافيين السعوديين في الخارج الذين تشرف ملحقياتهم الآن على أكثر من 146 ألف مبتعث ومبتعثة في 33 دولة لبحث الأساليب والآليات لتطوير البرنامج في كل جوانبه. والحقيقة أنني لا أهدف في هذا المقال إلى تقديم مقترحات أو أفكار أو ملاحظات لهذا الملتقى، ولا أريد التطرق إلى بعض الأوضاع التي يرى بعض المبتعثين ضرورة التركيز عليها؛ لأني أعرف أن الوزارة وملحقياتها حريصة على كل هذه الجوانب وتسعى بإخلاص لتوفير كل أشكال الدعم الأفضل للمبتعثين والمبتعثات؛ كي ينجزوا مهمتهم الدراسية على أكمل وجه. وبدلا من ذلك، أود أن أتجاوز الطرح التقليدي المكرر حول برنامج الابتعاث لمناقشة هاجس يدور في الذهن على شكل سؤال، هو: هل سنضمن عودة كل المبتعثين إلى الوطن بعد تخرجهم؟؟

لقد انتشر شبابنا في دول العالم المتقدمة، حيث توجد مجتمعات تعيش تنافسا محموما على إحراز مراكز متقدمة في التنمية العلمية والاقتصادية والفكرية، بواسطة الكوادر البشرية المتفوقة المبدعة التي تحرص على استقطابها من أي مكان في العالم، وتقديم العروض المغرية لها بتوفير بيئة الإنتاج المثالية ووسائل الحياة المريحة، وإتاحة كل المحفزات على الابتكار ليصبحوا بعد فترة جزءا من مجتمعها أو مواطنين فيها. وكمثال على ذلك، فقد نشر تقرير حديث عنوانه «2030: عوالم بديلة» يستعرض استراتيجية التنافسية والتغيير في دول العالم حتى عام 2030، من حيث الريادة في مجالات الإبداع وامتلاك موارد الطاقة والتقدم العلمي (نشرت ملخصه صحيفة المدينة يوم الجمعة الماضي)، يشير التقرير ضمن معلوماته إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بمجموعة من نقاط القوة تمكنها من الاستمرار في الصدارة رغم صعود ومنافسة القوى الأخرى، وكان من ضمن تلك النقاط وجود ما يسمى بـ «ثقافة الفرصة»، أي استمرار جذب المواهب من جميع أنحاء العالم للانخراط في مجتمع تعددي مفتوح أمام الهجرة، وحين نعرف أن دولا أخرى تتبع هذه الاستراتيجية، ثم نضيف إليها عوامل أخرى متعلقة بالحقوق والحريات وثقافة العمل والحياة والمساواة في تكافؤ الفرص، أليس من المنطقي التفكير في نسبة الذين ستجذبهم هذه الحالة المدهشة المغرية من مبتعثينا، ولا سيما أن كثيرا منهم أثبتوا تفوقهم وحصلوا على جوائز وبراءات اختراع من جامعاتهم ليصبحوا نماذج محتملة للاستقطاب مستقبلا.

إن القضية لا تقتصر على هاجس الوظيفة بعد العودة إلى الوطن، فهي حتى لو توفرت يجب أن تتوفر بشكل يرضي طموح العائد في بيئة عمل كالتي تعلم فيها، إضافة إلى ذلك لا بد من توفير مناخ عام للحياة لا يسبب الصدمة والإحباط وعدم الاستفادة من حصيلة المبتعث، الأمر الذي قد يدفعه للتفكير في البحث عن فرصته في مكان آخر. إنها قضية مجتمع وأجهزة دولة وأنظمة وقوانين يجب أن تتطور لتلائم جيلا مبدعا تشرب ثقافة حياة وعمل حديثة، إن لم يتأكد من وجود الحد الأدنى منها في وطنه فليس مستبعدا أن نخسر بعضه، ومع وجوب احترام خيارات الإنسان الشخصية ــ مهما كانت، إلا أن علينا جميعا بدء التفكير في مشروع آخر مهم، هو: كيف نحفز المبتعثين على العودة إلى وطنهم الذي يطمح للإفادة منهم، وكيف نقلص احتمالات جذبهم بثقافة الفرصة إلى أدنى حد ممكن.

المصدر: عكاظ