الاعتذار يصلح الأمور أحياناً

آراء

لا تخلو الحياة من الأخطاء سواء عن قصد أو دون قصد، وتصدر الأخطاء من الأشخاص، والمؤسسات والحكومات أيضاً، فكل ابن آدم خطّاء، وكما يقول المثل الإنجليزي To err is human، وكما نعلم فقد ينتج عن الخطأ آثار يمكن تداركها وأحياناً لا يمكن تداركها. في كلتا الحالتين الخطوة الأولى التي يجب أن تحدث فور التأكد من الخطأ هي الاعتذار، وفي وقتها ودون تأخير أو تلكع، وعلى من أخطأ أن يعتذر دون إبطاء ودون مكابرة، يلي ذلك محاولة تدارك الخطأ والقيام بما يسمى في مجال الجودة «التعويض عن الخطأ»، ويحدث ذلك حتى على مستوى المؤسسات، فعندما يتأخر القطار مثلاً – على الأقل في بريطانيا – يقوم الراكب بطلب تعويض هو ثمن التذكرة، ويتم رده بالفعل، وعندما تلغى أو تتأخر رحلة طائرة بصفة عامة تقوم شركة الطيران بتعويض الراكب.

معظم المشكلات التي تحدث في مجال الأعمال أو في الحياة الاجتماعية ترجع للإنكار والمكابرة وعدم الاعتراف بالخطأ ومحاولة إيجاد المبررات دون كلمة اعتذار واحدة. الحقيقة أن مجرد كلمة «آسف» لها مفعول السحر، وأحياناً تكون كافية لعودة المياه لمجاريها وبخاصة إذا كان المعتذر يعنيها ونابعة من القلب، ولكن للأسف يبدو أن الكثير من البشر هذه الأيام لم يسمع عن كلمة «آسف» ولم يتعلمها منذ الصغر، وبالتالي يعتبر أن الاعتذار هو تقليل من قيمته، وأن كبرياءه يمنعه من الاعتذار حتى لو كان متأكداً تماماً من أنه هو المخطئ، وهنا يزداد الأمر سوءاً ويزداد الحنق والغضب من الطرف الآخر، ثم يدخل في مرحلة طويلة من العناد.

إن الاعتذار من شيم الكبار، وهو سلوك نبيل يصدر عن إنسان واثق بنفسه، عادل في حكمه على الأمور، لا يعاني النقص أو الغرور، وليس الاعتذار فقط بل التعويض أيضاً. والجدير بالذكر أن ثقافتنا العربية لا تحبذ التعويض، فمثلاً لو أفسد شخص لك شيئاً كحادث سيارة خفيف، واعتذر لك وأبدى رغبته في تحمل تكاليف الإصلاح فرد الفعل المباشر – في حالة عدم وجود تأمين – هو أننا لا نقبل العوض، وبالتالي فمجرد كلمة اعتذار دون أي تعويض كفيلة بإصلاح ذات البين، مع أني شخصياً أرى أهمية التعويض، وأنه يجب قبول التعويض بل وإلزام المخطئ بالتعويض عن خطئه إذا أمكن، حيث إن هناك أشياء لا يمكن تعويضها أو إصلاح أثرها، خاصة أموراً مثل الخيانة أو عدم الاحترام، أو الأمور المتعلقة بالكرامة.

من ناحية أخرى ينبغي على الطرف الآخر قبول الاعتذار ما أمكن ذلك، وأن يبتعد عن التعنت والمغالاة في الاعتزاز بالذات، وبخاصة إذا كان الخطأ غير مقصود ولم يتسبب في أضرار جسيمة، فلا داعي للمبالغة في الدراما، فالحياة أقصر من أن نقصرها على المهاترات والمشاعر السلبية تجاه الآخرين. أعرف أن هناك أخطاء لا تغتفر، ولن تفيد كلمة «آسف»، ولكن في النهاية نحن بشر وعلينا أن نستمر ولا ندع شيئاً يوقف مسيرتنا. وكما أن الاعتذار من شيم الكبار والنبلاء فالتسامح والعفو أيضاً من شيم الكبار والنبلاء.

المصدر: الامارات اليوم