فاطمة المزروعي
فاطمة المزروعي
كاتبة إماراتية ، لها عدة إصدارات في القصة والرواية والشعر والمسرح وقصص الطفل ،رواية كمائن العتمة ، دار الفارابي 2012 ، زاوية حادة 2009

البديل عند غياب التسامح

آراء

على الرغم من تطور البشرية وتقدمها في عدة مجالات حيوية، ساهمت في رقي الإنسان ومنحته المزيد من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، إلا أنه دون شك لازالت توجد عقبات تعترض طريق الإنسان، وما تزايد حالات الفقر والبؤس، وكذلك الحروب الطاحنة والاضطرابات في بقاع عدة من العالم، إلا دليل على أن الإنسانية لازالت بحاجة للمزيد من المعرفة بحقوق الآخرين، ولازالت بحاجة إلى ثقافة الحوار، وتبادل المصالح والمنافع دون فرض السيطرة على الآخرين أو إجبارهم أو تسطيح أرائهم أو تهميش وجهات نظرهم، فعلى الرغم مما نسمعه عن ثقافة التسامح والحوار، فإنها تبقى كلمات و حبر على ورق لا أكثر.

إن نقل هذه الثقافات لواقع الإنسان، لتكون جزء من تفكيره ومسيرته، يحتاج لجهد كبير تقوم بها المنظمات والحكومات وعلى مستوى عالمي، لذا تبنت المؤسسات الدولية برامج تهدف للمساعدة في هذا الإطار، منها منظمة اليونسكو، التي صممت عدة برامج تستهدف نشر ثقافة الحوار والتسامح ومساعدة الضعفاء ومكافحة الفقر والأمية وغيرها كثير، ومن هذه البرامج اليوم العالمي للاحتفال بالتسامح، والذي أطلق في عام 1995م ويحتفل به في السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام. والهدف منه زيادة الوعي بين صناع القرار والمثقفين والناشطين والمجتمعات بثقافة التسامح وأهميتها، ففي عالمنا اليوم تتزايد الحروب المسلحة وتتزايد أرقام الضحايا من القتلى وضحايا التهجير والظلم والفقر والمعاناة الإنسانية التي لا تتوقف، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة والتي تعرف اختصارا باليونسكو، تتساءل قائلة: ” ما القاسم المشترك بين إيقاظ الأحقاد التاريخية والصراعات المسلّحة والزيادة المقلقة في عدد الهجمات العنصرية؟ وما هي العلاقة الرسمية، إن وجدت، بين المجموعات المتطرفة أو المتسلطة عبر العالم؟ وهل من رابط بين العنف الذي يستهدف الكتاب والصحافيين والفنانين في بلد ما والتمييز الذي تتعرّض له الشعوب الأصلية في بلد آخر؟

الجواب الوحيد المتوفّر حالياً هو أن التعصب يتصاعد في كل مكان ويحدث المآسي الجسام على نطاق جماعي” ، وهذا التعصب هو الغذاء الذي يقوي الاضطهادات والتي تقع اليوم وفق أشكال مختلفة سواء دينية أو عرقية أو غيرها، لذلك جاءت الأنظمة والقوانين لتغير هذا الإنسان والارتقاء به من مجاهل الفوضى والتفكير الحيواني إلى الانضباط والإنتاجية المفيدة لبناء حضارات تتوهج بالمعرفة ويسودها الحب والسلام، وكان من الضروري الدعوة الى التسامح ونشر هذه الفضيلة التي حملتها جميع الأديان والأعراف النبيلة، ومنها الدين الإسلامي الحنيف ،ولكننا ومع الأسف نجد هذه القيمة الإنسانية العالية مفقودة في العالم العربي والإسلامي، بل نعلم جميعا أن كثير من الصراعات في هذه البقعة الجغرافية ما هي إلا نتيجة لغياب ثقافة التسامح وفقدانها. وكلي أمل أن يقوم كل مثقف وكل من له تاثير اجتماعي بدوره في نشر هذه القيم النبيلة التي إن غابت وتلاشت فإن البديل عنها كارثي ومؤلم لكل من يتنفس على الأرض.

خاص لـ “الهتلان بوست”