عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

البساطة

آراء

البساطة هي الوضوح والسلاسة وانعدام التكلف، البساطة أن يكون الشخص على سجيته وهي سلاسة الطبع.. وبساطة الوجه في طلاقته وبشاشته. البساطة لا تنطبق على الإنسان فقط، وإنما تنسحب على سائر أوجه الحياة.

عند البشر، عندما ترى ملكاً أو حاكماً يجتمع بالعامة ليسمع منهم فهو دليل بساطته وتواضعه، وعندما ترى مسؤولاً في الميدان يساعد موظفيه على تلبية احتياجات المراجعين، فهو يعكس البساطة. وعندما ترى مشرفاً واقفاً خلف موظفي «كاونتر» يراقبهم ويوجههم، فهو يتأكد من سلاسة العمل ويمارس البساطة.

ويحب البشر الطبيعة نظراً لبساطتها، فنسمع البعض يقول إنه ينسحب من تعقيدات الحياة ليلجأ إلى الطبيعة الخلابة، والطبيعة في تكوينها بسيطة، أقل تعقيداً من المدن بكثير.

وبالنسبة للتقنية، لو فتحت غطاء محرك السيارة سترى شيئاً في غاية التعقيد أمامك. ولكن قيادة السيارة بسيطة جداً.

سبب استخدامك للهاتف الذكي في يدك الآن، سواء كان «آي فون» أو «سامسونغ» أو غيرهما، هو أنك تراه بسيطاً. وإذا تعقدت طريقة استخدام الهاتف الذكي، فستنفر الناس منه وتتركه لمنتج أبسط استخداماً.

وفي التصميم، فإن البساطة سبب فشل «ياهو» ونجاح «غوغل»، «ياهو» صفحته معقدة ومملوءة بتفاصيل مثل قائمة المستخدم على اليسار وأخبار في المنتصف. وخانة البحث أعلى الصفحة من الصعب جداً رؤيتها بمجرد الدخول.

نتحدث عن «ياهو» 2016، أمّا اليوم فهو يشبه «غوغل». وأمّا هذا الأخير فصفحته بيضاء، خالية تماماً إلا من اسم المحرك وخانة البحث الموجودة في وجه المتصفح مباشرة.

الشيء نفسه بالنسبة للتطبيقات، فإن تطبيقاً خياراته لا تنتهي يسبب صداعاً وحيرة للمستخدم بعكس نظيره الذي يضع خيارات محدودة ويجذب المستخدم إليه. وفي الفن، فإن الجمهور ينفر من الفيلم المعقد، ويميل نحو البسيط وسهل الفهم.

وإذا جلست في مقهى ونظرت إلى القائمة، ستجد مثلاً في خانة المشروبات صورة ضخمة لمشروب واحد هو الأكثر مبيعاً، وبجانبه قائمة المشروبات الأخرى دون صور.

وهذا أذكى تطبيق لمفهوم البساطة، لأن التصميم يقترح عليك المشروب بشكل غير مباشر.

موقف

منذ عقدين، في حصة التصوير الفوتوغرافي المرتبطة بتخصص الصحافة أيام الكلية، كان البروفيسور يشرح لنا الفرق بين البساطة والتعقيد، ويناشدنا الابتعاد عن التعقيد. وكنا نجادله ونقول له إن الصورة المعقدة أفضل من البسيطة لأنها تحمل تفاصيل كثيرة للتأمل، فقال لنا: لن تفهموا قصدي حتى تروا مثالي الكلاسيكي.

في الدرس التالي، عرض علينا البروفيسور صورتين، وطلب منا تأملهما: الأولى كانت ملتقطة من زاوية سفلية لأغصان شجرة متشابكة تشابكاً شديداً. والثانية ملتقطة من الأعلى لموقف سيارات فارغ، ويملأ فراغه سيارة واحدة حمراء واقفة في منتصفه.

نظرنا جميعنا إلى الصورة الثانية، وسألناه: ماذا تفعل سيارة لوحدها في ساحة المواقف؟

عندها هتف البروفيسور قائلاً: إنها البساطة! ثم سأل: لماذا لم تلتفتوا إلى صورة الأغصان المتشابكة؟

صمتنا جميعاً وابتسمنا لأنه كان على حق، فقال ساخراً ويده تشير إلى صورة الأغصان المتشابكة: «لأن الشيطان يكمن في التفاصيل».

المصدر: الامارات اليوم