التضخّم على مائدتنا

آراء

لا يتعلّق الأمر بالنفط فقط، والضجيج المُثار حوله بعد قفزاته السعرية وملامسته ال140 دولاراً للبرميل، الأمر يخصّ اضطرابات الغذاء أيضاً، وخاصة القمح وزيوت الطعام، وعشرات المنتجات الغذائية التي تنتجها أوكرانيا وروسيا، حيث أخصب الأراضي في العالم.

منظمة «الفاو» تقول إن روسيا أكبر مُصدّر للقمح في العالم، بينما جاءت أوكرانيا في المرتبة الخامسة. وتوفران معاً 19% من الإمدادات العالمية من الشعير، و14% من إمدادات القمح، و4% من الذرة، ما يشكّل أكثر من ثلث صادرات الحبوب العالمية. فيما تُعد روسيا أيضاً من بين أبرز الدول في تصدير الأسمدة.

والحرب الدائرة هناك ضغطت، بوضوح، على أسعار الغذاء، إما لعدم قدرة أوكرانيا على جني المحاصيل بسبب المعارك، وإما للقرارات الروسية بوقف تصدير الغذاء، ومعه الأسمدة والمعادن، ردّاً على العقوبات الغربية المفروضة عليها.

أمّا مدير منظمة الأغذية العالمية، «فاو»، شو دونيو، فيعتقد أن «الاختلال المحتمل في الأنشطة الزراعية لهاتين الدولتين المصدّرتين الرئيسيتين للسلع الأساسية يمكن أن يؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم بشكل خطير».

هذه الحالة أفرزت مشهداً فوضوياً بدأت ملامحه بالتشكّل في الأيام الأولى للحرب، مع تسارع معطياتها، فدول العالم بدورها تريد أن تضمن الغذاء لشعوبها، فأصدرت القرارات التي تمنع التصدير المرتبط بهذه السلع تحت عنوان «السيادة الغذائية»، حيث لكل دولة حقها في الحفاظ على أمنها الاقتصادي.

إذاً، التضخم في أسعار الغذاء الذي بدأت صوره تصل إلى أسواق العالم وبات الجميع يلمسونه على مائدهم اليومية، ما هو إلا الضريبة المستورَدة التي لا شأن لنا بها، وسيدفع الجميع ثمنها بأسعار عالية مرشحة للتفاقم في الأسابيع والأشهر المقبلة، خاصة إذا استمرت الحرب وتفاقمت العقوبات، ومعها ردود أفعالها.

ماذا عنّا في الإمارات؟ التضخم المستورَد وصلنا بصور مختلفة، ووصوله بدأ بالظهور حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث الخلل في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار النفط، ومعها تكاليف الشحن والتخزين، وغيرها، وحيث ارتفاع الطلب على الخدمات في الدولة مع عودة الانفتاح الكامل إثر تلاشي تبِعات «كورونا».

هذا التضخم مرشّح لأن يكون مشهداً عاماً في القطاعات كافة، لأن «كل شيء مرتبط»، ما يدفعنا إلى مواجهته، مع قلّة الأدوات المتاحة، لكونه مستورَداً.

الجهات الحكومية والرقابية معنية، بدورها، بأن تتيقّظ ليل نهار لضمان عدم استغلال البعض لموجة ارتفاع الأسعار، فيصبح ارتفاع التضخم مضاعفاً، وكذلك يجب تسهيل وصول المنتجات من أسواق أقلّ كلفة، بالتنسيق مع التجار والمورّدين.

لدى الإمارات شراكات تجارية كبيرة، ويمكنها الاستفادة منها الآن أكثر من أي وقت مضى، وإذا كانت بعض الدول تطبّق عقوبات تصدير، أو توريد، من دول أخرى، فيمكن لأسواقنا أن تستفيد للوصول إلى هذه السلع وبأسعار معقولة.. هذه مهمّة التجار، الذين ينعمون ببنية تحتية ومركز لوجستي عالمي، يربط أسواق العالم بعضها ببعض.

المصدر: الخليج