عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

التقاعس الأميركي في سوريا

آراء

عام الانتخابات، شخصية أوباما، كوابيس العراق، موقف الروس، وفوبيا الجهاديين.. كلها أسباب قد تفسر التلكؤ الطويل في الموقف الأميركي تجاه دعم التغيير الشعبي في سوريا.

آلاف السوريين يحملون السلاح ويقاتلون ببسالة في معركة مدهشة، بأسلحة بسيطة. ورغم أنهم يقاتلون منذ عام، فإنهم لم يتمكنوا بعد من إسقاط النظام، ولا حتى الاستيلاء على مدينة رئيسية واحدة. السبب أنها ثورة شعبية حقيقية لكنها يتيمة، تقارع واحدا من أعتى الأنظمة القمعية في العالم.

بعيدا عن دمشق يحارب الرئيس الأميركي على جبهة الانتخابات الرئاسية التي لم يتبق عليها سوى تسعة أسابيع، ويملك فرصة لإعادة انتخابه. لذا لن يجرؤ على التورط في أي عمل خارجي كلما اقترب يوم الانتخاب خشية أن يكون ذلك سببا في هزيمته وخسارة حزبه. ثم إن هناك شخصية أوباما، حيث يبدو للجميع أنه يريد أن يميز نفسه ورئاسته بأنه ليس سلفه جورج بوش، وأنه ضد التدخل العسكري، وهو الذي سحب قواته من العراق ويعمل على الخروج من أفغانستان، ولا يريد أن يرسلها للقتال في سوريا أو غيرها. أوباما شخصيته مختلفة عن بوش، وحتى عن آخرين مثل بيل كلينتون الذي غامر في يوغوسلافيا ونجح، وقام بعمليات أقل ضد صدام في العراق وأخرى في الصومال، وكذلك السودان وأفغانستان.

يريد أن يذهب الأميركيون إلى صندوق الانتخابات وهم يتذكرون أن أوباما هو الذي جاء برأس عدوهم بن لادن، لا أن تقف أرامل الجنود في مظاهرات ضده. أيضا، فلسفته ليست مبنية على توسيع النفوذ أو مواجهة الخصوم في أنحاء العالم، فأوباما أقل حماسا للسياسة الخارجية. ومع أن وزارة الخارجية الأميركية تخوض حربا كبيرة من التصريحات الكلامية ضد الروس، فإن هناك فارقا كبيرا بين البلدين، فالحكومة الروسية متحمسة لدعم الأسد، وهي السبب في بقاء نظامه واقفا على قدميه حتى الآن، بدعمها العسكري والاستخباراتي والنقدي وكذلك بالوقود. وهذه هي المرة الأولى، منذ نهاية الحرب الباردة، التي نرى فيها الولايات المتحدة تخشى إغضاب السلطات الروسية رغم أهمية إسقاط النظام السوري لها (أي لأميركا) في الحرب على إيران.

وهناك «فوبيا الجهاديين»، حيث كُتب الكثير عن الجهاديين الذين تقاطروا على سوريا من أنحاء العالم، ومن المؤكد أن بينهم منتسبين لتنظيم القاعدة الإرهابي، إنما هي فئة توجد في كل مكان يوجد فيه فراغ وفوضى، في ليبيا والصومال وشمال مالي واليمن. ومن الخطأ ترك الثورة السورية لمثل أصحاب هذه الأجندات السيئة التي لا علاقة لها بثورة الإنسان السوري، الذي يبحث عن الكرامة والحرية وليس تخريب العالم.

أعرف أن العديد من الأميركيين يجدون تناقضا صارخا بين دعوات العرب للولايات المتحدة للتدخل، ودعواتهم السابقة لرفض التدخل، وأنهم سيقولون لنا «نحن لسنا كتيبة في الجيش العربي مرة تقذفوننا بالأحذية ومرة ترسلون لنا بطاقات الدعوة للدفاع عنكم». التناقض مرده أن العالم العربي منطقة كبيرة ومتعددة الرؤى تعيش مخاضا تاريخيا رمت فيه الشعوب بأنظمة فاشلة، بعضها كان سببا في تخريب العلاقة مع الجانب الأميركي مثل نظام القذافي، وصالح في اليمن، والآن الأسد في سوريا. وهنا في سوريا المصالح متطابقة، فإسقاط الأسد مطلب الشعب السوري ويتطابق مع المصلحة الأميركية.

وفي نظري أن الأميركيين الذين يديرون ظهورهم للثورة السورية يخسرون أهم قضية شعبية في العالم العربي، والتي يمكن لها أن تضيق الهوة بين الجانبين بعد تجربة العراق الفاشلة. والسوريون لا يريدون جنودا، بل سلاحا نوعيا لردع الطيران والدبابات التي يواجهونها الآن بالبنادق البسيطة في وقت يقصف فيه النظام الأحياء المدنية بلا رحمة. السوريون منذ عام يقاتلون بلا مشاركة من الجيران، ولا دعم ذي قيمة من دول كبرى، ورغم هذه النواقص وطول الطريق تبدو النهاية واضحة.. سقوط النظام، لأن حجم القتل والأذى الذي مارسته قوات الحكومة ولد كراهية وتصميما على إسقاط النظام. ومن يركب قطار الثورة السورية، الذي لن يتوقف إلا في وسط العاصمة دمشق، لن تنساه ذاكرة الأجيال الشابة، هذه هي الحقيقة لمن يعرف مشاعر المنطقة.

المصدر: جريدة الشرق الأوسط