التنوير والتطرف.. وبينهما ثوابت لا تقبل التبعية والتصنيف!

آراء

التطرف فكر متجاوز ناتج عن فوضى، والإرهاب فعل عنيف ناتج عن فكر متطرف، والفكر المتطرف لا يواجه إلاّ بفكر، والإرهاب يواجه بكافة الوسائل المشروعة بما فيها المناورة والمطاردة والمحاكمة، هذة إستراتيجية واضحة ومعلنة للمملكة في مواجهة الإرهاب، ولا يعني تغيّر خطط المواجهة وسياسات العمل والتنسيق تغيّراً في الإستراتيجية، بل تأكيداً على ثباتها، ورؤيتها، وواقعيتها، وقدرتها على التوقع والاستباق، وهذا هو الأهم في بناء الإستراتيجية، حيث نجحت المملكة في ضربات استباقية لأوكار الإرهابيين، وتوقع ما ستكون عليه ردات الفعل، وما هو ناتج عن تطورات الأحداث المضطربة في المنطقة، وما هو أسوأ في تجنيد الشباب على النت ومواقع التواصل الاجتماعي، وتنامي الحواضن الجديدة للإرهاب تحت مظلة التصنيف، والتخوين، والاصطفاف، والتبعية.

هذه الإستراتيجية نجحت أيضاً في التعاطي مع «الإرهاب المسيّس» القائم على ثقافة الحشد، ورفع الشعارات، والضجيج، وجمع الأموال، وخلط المفاهيم، والتمكين بدلاً من الحوار، إلى جانب انتهازية المواقف، والتمدد على حساب المصالح والأدوار الخارجية المطلوبة، وهو ما يعني باختصار قدرة «الإرهاب المسيّس» على تنفيذ أجندات غيره، وخدمة أهدافه، وينطبق ذلك فوراً على إرهاب «حزب الله» و«الحوثي» و«الحشد الشعبي» و«داعش» و«القاعدة».. والقائمة تطول، حيث تشكّل هذه التنظيمات الإرهابية إيدولوجيا مسيّسة انتهازية، ومتفاوتة في توجهاتها ومصالحها بحسب الفكر المتطرف الذي يغذيها بشكل آحادي، ولكن النتيجة واحدة في نشر العنف والقتل والتخويف.

وأخطر ما يكون عليه «الإرهاب المسيّس» حينما تكون الطائفية على قائمة أولوياته، وكسب مؤيديه، وإثارة الفتنة، وجرّ الشعوب إلى مستنقع الكراهية، والتصنيف، والتشكيك في الولاء والانتماء لإضعاف الجبهة الداخلية، وهو ما يجب التنبيه عليه، والتوقف عنده، وتفويت الفرصة على المغرضين والمندسين، حيث لا يحتمل الواقع أكثر مما يجب من ضرورة العمل أفراداً ومؤسسات في مهمة وعي استثنائية، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منصة للخطاب والتعليق على الأحداث من وجهات نظر لا تنسجم مع التوجهات الرسمية لمعالجة تلك الأحداث، وتحديداً في نشر الشائعات، وتلوين الحقائق، رغم أن الحدث غالباً لا يحتمل مزيداً من الضجيج، أو التلبيس، أو حتى المزايدة على الوطن أو المواطنة.

سجل المملكة مع الإرهاب طويل، وسيطول مع تعدد دوافعه، وتفاصيله، ومصالحه، وابتزازه، ومستوى تهديده، ولكن الأهم أن تبقى الإستراتيجية مظلة للعمل الجمعي، مع تحديث السياسات والإجراءات التي تمكننا من تحقيق المزيد من النجاح في هذا الملف الشائك، ومن ذلك ضرورة احتواء الفكر المتطرف أياً كان مصدره من اليمين أو اليسار، وأن المحرّض على العنف لا يقل جُرماً عن الإرهابي في سلوكه، مع التأكيد على أن حرية الرأي لا تعني الانفلات، وأن المواطن بقدر عطائه، والجميع سواسية في الحقوق والواجبات، والعدالة لا تتجزأ، والوطن في أمنه واستقراره خط أحمر لا يقبل التبرير أو الخروج عن الصف الواحد.

هذه المحددات لسياسة العمل الرسمي والشعبي في مواجهة الإرهاب لا نستثني منها أحدا، ولا نزايد أو نساوم عليها، ولكنها مشروع تنوير للفكر الذي يتمسك بثوابته الدينية والوطنية، ويكون مصدراً للمشاركة الواعية والمخلصة للوطن في هذا التوقيت الحرج من الفوضى والاستقطاب والتبعية في المنطقة، فالتنوير ليس تغريباً، أو تصنيفاً، أو تنازلاً عن القيم والثوابت، وإنما وعي ومسؤولية معاً في التعبير والتعاطي مع المواقف والأحداث برؤية لا مكان فيها للتطرف والمتطرفين، والمتسلقين على حبال الخوف من التغيير، والتبعية للانتهازيين.

المصدر: صحيفة الرياض