الثورة على أبناء الشيطان

آراء

أول مرة عرفت شيئاً عن البصرة من المسلسل الكويتي الشهير درب الزلق. كان ذلك في منتصف السبعينات الميلادية، قرر حسينوه المحامي السفر إلى البصرة للاستعلام عن أخت موكلته، فقال له شقيقه سعد: أعرف أنك تريد أن تسافر للبصرة لكي تستمتع بالنهر وتتطيح بين النخيل، من هذا الحوار الساخر بين الشقيقين تبين لي أن البصرة بلدة جميلة ومعتدلة الجو يقضي فيها الكويتيون إجازاتهم، مضت السنون تلو السنون بعد ذاك المسلسل وكل يوم تزداد معرفتي بالبصرة كما تزداد معرفتي ببقية الحواضر العربية الأخرى.

بعد الغزو الأميركي للعراق وإسقاط حكومة صدام حسين وصعود نجم الخميني عرفت أسوأ ما عرفت، تلقيت درس الشيطان الأول: أن البصرة مدينة شيعية. ثم تتالت معرفتي الطائفية بكل أشكالها، عرفت أن عدداً من لاعبي المنتخب الكويتي كانوا شيعة وعرفت أن معظم كبار الشعراء العراقيين كالسياب والجواهري والبياتي شيعة أيضاً. هكذا تتالت معلوماتي الطائفية حتى نبش الخراب في ذاكرتي فبدأت استرجع أيامي في الرياض القديمة، تذكرت سوق الحساوية وبعض جيراننا من أبناء الأحساء في نواحي شارع العطايف، كان أولادهم الصغار أصدقاءنا. تركنا الحارة وتركناهم دون أن نعرف هل كانوا شيعة أم سنة؟ فتمادى الخراب في نبش الماضي فأخذت أتحقق عن عائلة فلان الحساوية هل هي شيعية أم سنية وهل ممدوح صديقي الصغير وزميلي في المتوسطة كان شيعياً؟

بعد أربعين عاماً تعود البصرة إلى وعيها المفقود، مدينة عراقية يعيش فيها بشر، قدر الله لهم أن يولدوا على المذهب الشيعي، لو كانوا في الهند لقدر الله أن يولدوا هندوساً، ولو قدر الله لهم أن يولدوا في الصين لكانوا اليوم بوذيين. في النهاية وقبل كل شيء هم بشر، منحهم الله فرصة قصيرة ليعيشوا ويمرحوا ويسعدوا بالعيش الكريم وتربية أطفالهم وأن يكون لهم نصيب من أرضهم وزرعهم وأن يعود شعراؤهم يملؤون الفضاء العربي بالجمال والغناء. أربعون عاماً من الطائفية: تلوثت فيها مياههم وسرق نفطهم وهزلت مزارعهم وجفف الملالي فتات الحرية التي فات الدكتاتور صدام حسين أن يسلبها منهم.

عندما كنا صغاراً قرأنا وسمعنا أخباراً وأوصافاً عن الشيطان، من قال إنه أشبه بالقرد ومن قال إن على رأسه قرناً ومن قال إنه يخرج في الليل وقليل من قال لنا إن له أبناء أشداء، حدثونا عنه كثيراً ولم يحدثنا أحد عن أبنائه. إذا كان الشيطان اسمه الشيطان فما هي أسماء أبنائه، هل يحملون أسماء كأسمائنا. الزرقاوي والخميني وأبو بكر البغدادي والجولاني ونصر الله؟

المصدر: الرياض