هيفاء صفوق
هيفاء صفوق
كاتبة واخصائيه اجتماعية

«الجنون» يجتاح العالم

آراء

موجة من الجنون والغضب تجتاح العالم، أصبح يعاني مرارة هذا المرض الذي استفحل حتى النخاع، وضاعت معه حقيقة الأشياء، وأصبح الكل يهاجم الكل، والصراعات والتراشق في التهم سراً وعلانيةً، وهناك من يحرك هذا الجنون ليس مهماً بعد اليوم اسمه، فلقد اكتوى العالم بنار دماره وشره، وهذا ما يجعلنا ننادي بالوحدة الإنسانية والسلام والحب والإخاء بين جميع البشر، متجاوزين العِرق واللون والحزب والتيار، لأننا لن نتخلص منه إلا عندما نتخلص من بذرة الشر فينا كأفراد.

التخلص من غرور وهيمنة الإنسان وحبه للسيطرة قديمة على مر التاريخ الإنساني، ابتليت الإنسانية بها منذ الأزل، لروح الشر وعشقها للحرب والتملك وسفك الدماء وبث الرعب في قلوب الآخرين، لتشبع مرضها وجنونها، وهذا لا يقتصر على مجتمع واحد، بل معظم المجتمعات الإنسانية القديمة عاشت الاستعمار والحروب والظلم والانتقام والغزو. سلسلة طويلة ملأت السنوات الماضية من قصص وحشية الإنسان، لذا لا يهم ما هو اسمها اليوم، لأنها لم تعد صنفاً واحداً أو نوعاً واحداً، بل تعددت هوية الإجرام، وتعددت المسميات، وتعددت التيارات، لكنه في الحقيقة هو «الشر» مهما كان نوعه ولونه ضد الإنسانية والأبرياء والأفراد المسالمين الخيّرين.

نحتاج تحريكاً جماعياً من أصغر فرد إلى أكبر سلطة وهيئة ومؤسسة، من أصغر دولة إلى أكبر دولة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، الكل مسؤول في تحريك موجة الحب والسلام في داخله وأسرته ومجتمعه ودولته، ألا نجلس متفرجين نتناقل الأحداث بسلبية، نتهم هذا ثم هذا وهكذا نأخذ دور المتفرج، نحتاج إلى إحياء المبادئ الإنسانية النقية، التي تحفظ النفس والعرض والحرية الشخصية، وتحفظ الأمن والأمان من سارقي السلام.

هي قضية إنسان، قضية دولة، قضية عالم، هي قضية حياة، الكل مسؤول، أقلها وأهمها أيضاً أن نعيش السلام الحقيقي داخل أنفسنا، وتوزيعه بوعي على كل من حولنا، إيصال طرق الوعي والنضج الذي يفتقده العالم، فلا أحد اليوم يصمت، هي قضية الكل من دون استثناء أحد، من دون أن ننتظر دور أحد، هي قضيتي وقضيتك أن نرفع نسبة الوعي في مفهوم الإنسانية، لا نقلل من شأننا أو دورنا، وننتظر الآخرين يقومون به نيابة عنا.

لنحرك تلك القوة القابعة داخلنا، وأقصد الوعي والإدراك العميق جداً، ألا نخوض تيارات جاهلة تدعو بطرق غير مباشرة إلى زرع الفتن والخوف وروح الانتقام، لأنها ستدمّر نفسها والبشرية كلها.

من كان يعتقد أننا في هذا العالم بمعزل عن الآخرين في الشرق أو الغرب فهو مخطئ، كما كنا نقول دائماً نعيش على أرض واحدة تحت سماء واحدة، اختلفت الثقافات واللغات والعادات بحكمة ربانية، لتتبادل في ما بينها من منافع ومصالح مشتركة، وتساعد وتساند الناقص فيها وفي غيرها، هي وحدة بشرية غير منفصلة، من يعتقد أن ما يحدث هنا لا يؤثر هناك مخطئ، وما يحدث هناك لا يؤثر هنا أيضاً مخطئ. لنتكاتف معاً لنشر الوعي والسلام، ونبذ العنف والإجرام والقتل والظلم في كل مكان في العالم، ولو كانت بأبسط الأشياء وهي الكلمة والحرف، لأننا جميعاً ندرك ما حرّك تلك التيارات والأحزاب، هي عبارات وكلمات خطط لها فكانت مدوِّية في نفوس بعضنا، إذ إن كلمة الحق أو كلمة السلام لها مفعولها القوي وإن ظهرت بسيطة، لكنها في الحقيقة قوية تتمدد مع الأيام والوقت في تغير العمق الذي ابتلي بتلك الروح البائسة.

المصدر: الحياة