الجيش الأبيض

آراء

الأزمات تحكي قصة معادن الرجال، وتفصح عن جوهر الذين يخبئون في الكينونة نفائس الإنسان الصادق، ويبرزون المعنى في حب الآخر.

في الفترة التي تمر بها الدولة، كما هي سائر الأوطان، وفي حمى الكفاح من أجل الظفر بعافية الناس جميعاً، شعرنا أن هناك قوة مثالية، ونموذجية، تستحق أن نقول عنها، إنها جيشنا الأبيض الذي وضع الأيدي على زناد الإرادة، واستطاع أن يقف نداً قوياً في مواجهة الوباء اللعين، وأن يعلن هذا الجيش العرمرم، تصديه للقوة الغاشمة، بكل بسالة وتحد، وأن تقف مؤسستنا الطبية، وقفة رجل واحد، والدفاع عن صحة الإنسان، والحفاظ على حياته، بجرأة الشجعان، فعندما نرى أولئك الناس الأوفياء، رجالاً ونساءً، يحومون حول مرضاهم، كما هي الفراشات الحميمة، ويقدمون أرواحهم فداء لمن ناموا على أسرة الألم ينتابنا الفزع، والخوف على أرواح أطبائنا والممرضين والممرضات، أكثر من غيرهم، لأنهم في الحقيقة يقومون بفعل جهادي، وفدائي حقيقي، كون هذا الوباء يحمل في طياته من الفيروسات الفتاكة، والتي من الممكن أن تتشبث بحسد أي إنسان يقترب من مصاب، ولكن أبناء المهنة الرحيمة يقومون بالواجب بقلوب مؤمنة بأن الحياة لا تقبل أنصاف الحلول، فإما أن نكون أو لا نكون، ولن نكون إلا بتعاضدنا وتراحمنا وتضحياتنا، من أجل مجتمع صحيح معافى من درن كل ما يعيق صحة الناس أجمعين.

هذا المشهد الخيالي يثير في النفس معاني تتجلى صورها في هذه الهبة الرائعة، وهذه الفزعة الراقية، وهذه النفرة، التي سوف يسجلها التاريخ بحروف من أشعة الشمس، وبكلمات من أوراق الورد، وبعبارات من نهمة الغواص حين تشرع السفن إلى السفر من أجل بياض الحياة.

هذا المشهد، تاريخي بمعنى الكلمة، حيث حرك أهلنا في المؤسسة الصحية مكامن وجداننا، ولامس شغاف أفئدتنا، ووضع مياسم الوعي في عقولنا، وجعلنا نؤمن بأننا في وطن المحبة، لن يشكو عضو من خفقة، إلا وتتداعى له سائر الأعضاء بالسهر، والتعب من أجل راحته.

هذا المشهد جدير بأن يدرس لأبنائنا الطلاب في المدارس، ليقرأوا أن في سنة من سنوات العالم، حل بالبشر مصاب أليم، فجاشت قلوب أهل الوفاء، فأضرموا النار في مخالب الوباء اللعين، وانتصر الحب على الضيم، وباءت خطط الفيروس بالفشل الذريع، فتلاشى مهزوماً، مكظوماً، لأن إرادة رجالنا أقوى من المرض.

المصدر: الاتحاد