علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

الحاكم بأمر الله!

آراء

يختلط الأمر على الناس في فهم النقد الموجه من قبل «المواطن» لأداء السلطة في بلاده، يخلطون بين استخدام الأدوات النقدية في تقييم الأداء العام وبين حالة الحب والكره، يحدث هذا عن جهل مصحوب بنوايا حسنة أحيانا، وعن سوء نية أحيانا أخرى من قبل المنتفعين أو الراغبين بالانتفاع من السلطة على حساب الوطن وقضاياه وهمومه ومواطنيه، سوء النية والتحريض المتعمد من قبل البعض وهم غالبا من الكتاب والصحافيين بكل أسف، يكون علاجه التسفيه والتجاهل والتحقير من هذا السلوك النفعي غير الأخلاقي الذي لا يمت للمهنة بصلة، ويجب أن تكون عملية الاحتقار جماعية وعامة وعلنية لكل شخص يمتهن هذا الدور، أما الخلط الحاصل بسبب الجهل والظن الخاطئ فتكون مواجهته بالتوضيح ومزيد من التوعية عبر كل الوسائل المتاحة، لأن النتيجة التي نصل لها في الحالتين خطيرة، وهي تنميط الكتلة النقدية في المجتمعات ووصمها بصفات ذات مدلول سلبي عند المتلقي، كأن يوصف أحدهم بالمعارض في مجتمع مثل مجتمعاتنا الخليجية المحافظة، وذلك بغرض التحريض أولاً، وخلق حاجز بين آرائه في مختلف القضايا وبين الجمهور الذي سينظر لهذا الكائن «المعارض» على أنه مغرض ويريد النيل من هيبة البلد وتخريبه، وصولاً للاتهامات بالصفوية وغيرها من الصفات التي تندرج تحت قائمة «الكنتاكي» التي وجهت للمحتجين في ميدان التحرير أيام الثورة المصرية.

إن مصطلح الوطنية في بلدان العالم الثالث غير الديمقراطية مشوه وتم حشوه بكثير من المفاهيم المغلوطة، حدثت هذه العملية بخبرة وعناية فائقة وعلى مدى سنوات طويلة، قيل لجمهور المواطنين إن محبة الحاكم هي التعبير الأمثل لحالة الانتماء والوطنية، ومن هنا جاءت فكرة الأغاني والأهازيج والأوبريتات والقصائد والكتب والمقالات والمسلسلات الوطنية التي تمجد الذات الحاكمة وتحيطها بهالة من القدسية لا تسمح بالمساس بها أبدا، لا أحد يقول لك إن الحاكم إله، لكن لا أحد في الإطار المسموح به من الدولة يسجل لك ولو خطأ واحدا ارتكبه الحاكم في حكمه من اليوم الأول وحتى الأخير، ولا حتى بأثر رجعي بعد مماته، فهو مقدس «عملياً» قبل أن يولد وبعد أن يموت، مروراً بقداسة واستراتيجية وحكمة كل قراراته أثناء وجوده في الحكم، ولا يمكن أن يسمح لأحد بالتجرؤ وتسجيل نقد مهما كانت الصياغات والتخريجات، فإما أن تكون الظروف أو المرحلة أو البطانة أو الشعب نفسه سبباً في سوء الأحوال، أو تكون حينها مغرضاً خائناً عدواً تعمل على هدم أساسات الدولة وتشويه كيانها.

الحاكم في الدولة الديمقراطية رمز من رموز السيادة الوطنية، سلامته وأمنه شأن وطني محض، بل إن بعض الدساتير ينص بوضوح وبشكل مباشر على صيانة ذات الحاكم ومخالفة المسّ بها، وهناك قوانين تعاقب كل من يتجاوز هذه القاعدة، لكن هذا الأمر لا علاقة له بالعواطف وحب الحاكم من عدمه والتغني بأمجاده، جورج بوش الابن كان أكثر الحكام الأميركيين عرضة للكره والاحتقار من قبل المواطنين ووسائل الإعلام الأميركية، لا أحد في فرنسا وإيطاليا يحب أو يحترم ساركوزي وبيرلسكوني على سبيل المثال، لكن وقت الانتخابات تذهب الأصوات لهما لأسباب بعيدة عن المشاعر الشخصية، ولم تكن هناك أغانٍ «وطنية» تمجد بطولاتهم ورحمتهم وزياراتهم للمستشفيات ودور رعاية الأيتام والمسنين، فالرابطة التي تجمعهم بشعوبهم لها علاقة بأدائهم في إدارة السياسات الداخلية والخارجية، هناك وظيفة يؤديها هؤلاء ينتج عنها بقاؤهم أو رحيلهم عن سدة الحكم، لا أكثر ولا أقل. أرجو ألا تبدو المسألة وكأنها رغبة جامحة وملحة في نقد الحاكم شخصياً، فالأمور أعقد من ذلك بكثير ولا أحد لديه هذه الهواية بشكل خاص، لكن الحصانة التي يتمتع بها الحاكم في مجتمعاتنا باتت تنسحب على كل شأن عام، وحتى يعزز الحكام من دائرة المنعة وعدم الوقوع في دائرة النقد، صيغت القوانين بحيث تقسم هذه «الحصانات» على كل أجهزة الدولة ورجالاتها، تمنحها ساعة تشاء وترفعها حين تريد فعل ذلك، وبات المواطن البسيط يستنكر بوعي ودون وعي أي محاولة نقدية يتصدى لها كل مثقف وصاحب رأي، وتعممت ثقافة الخطوط الحمراء في بلداننا، للدرجة التي أصبحت معها القرارات المصيرية المتعلقة بأمن ومستقبل المجتمع مسيّجة بدوائر حمراء تمنع الاقتراب منها ونقاشها.
لا شيء يعلو على النقد، والمعارضة وإن نشأنا على بغضها والخوف منها كتهمة لكل مخالف، إلا أنها ركيزة أساسية من ركائز الدولة الحديثة، لا توجد دولة بحالة صحية دون معارضة من داخل النظام لا من خارجه، يتبقى الحاكم، وعليك هنا أن تتذكر أمراً مهماً، والدك هو صاحب الاسم الذي يلي اسمك في البطاقة الشخصية، وليس أحداً آخر.

العرب القطرية