الحملات الموجهة والمسعورة

آراء

لا شكّ أن القرار الجريء الذي اتخذته دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 13 أغسطس بمباشرة العلاقات الثنائية بينها وبين إسرائيل أنهى حالة من التكلس والجمود التي أصابت عملية السلام. كما شرّعت معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية أبواب إحلال السلام في المنطقة الذي كادت غالبية المواطنين العرب تظن أنّه تلاشى أو يكاد.

ولا شكّ أيضا أنّ دولة الإمارات ـ التي تعلي قيم السلام واتخذت لعام 2019 شعار: عام التسامح وأطلقت قبل نحو 20 شهراً وثيقة الأخوة الإنسانية ـ صاحبة مبدأ راسخ يعلي قيم التعايش والتسامح وتتبنى مفهوم السلام الإستراتيجي، وهي ستعمل على توطيد عناصر تدعيمه بما يصب في مصلحة أمن ومستقبل المنطقة وأجيالها.

وهنا، من الضروري تأكيد أنّ معاهدة السلام ستكون لها تأثيراتها الإيجابية على الواقع العربي، وعلى القضية الفلسطينية ، وبالأخص إنعاش وإحياء فكرة حل الدولتين التي كادت تتلاشى في الفترة الأخيرة نتيجة جمود عملية السلام في الشرق الأوسط، وهي حالة لها تداعيات وعواقب خطيرة، ليس على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على عموم المجتمع الدولي.

فهذه الخطوة التاريخية ستسهم في تعزيز الاستقرار والسلام في العالم، انطلاقا من تغليب لغة الحوار والتعايش بين الشعوب وبما يكرّس العدل والسلم في هذه البقعة من العالم التي عانت لعقود، وفي عموم المجتمعات بعد وضع حد للحروب والصراعات.

وفي ضوء الحملات الموجّهة والمسعورة التي سعت إلى تشويه المسعى الإماراتي الخيّرة، ومن أطراف مُطبّعة سرا منذ نحو ربع قرن أو يزيد، نجد لزامًا تأكيد عدة مسلّمات، وأولاها أنّ تأسيس أى علاقات ثنائية حق سيادي للدول، وفي هذا السياق فإنّ من حق دولة الإمارات مباشرة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أو أى دولة أخرى وفقا لما ترتئيه بناء على مصالحها الوطنية.

إنّ قيادة دولتي أقبلت على المعاهدة وهي تنظر إلى المستقبل، وغايتها ضمان أكبر فائدة للمنطقة ولشعوبها، إن الدول العربية قد أجمعت على أن خيار السلام هو الخيار الإستراتيجي.. وقد عملت دولة الإمارات في تجسيد هذا الخيار عمليا؛ فقرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، الشجاع يعبّر عن واقعية نحن في عالمنا العربي في أمس الحاجة لها؛ فمعاهدة السلام هذه تمهّد الطريق عبر وسائل دبلوماسية وسياسية لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وهي بمثابة فرصة للمجتمع الدولي للبناء على هذا الإنجاز التاريخي لتحقيق السلام في المنطقة… وهنا لا بدّ من تأكيد أنّ السلام يصنعه الشجعان.

ونحن في دولة الإمارات على ثقة بأنّ هذه العلاقات مع إسرائيل ستسهم في تطوير قطاعات متنوعة في الدولة وستحفّز النمو الاقتصادي في المنطقة ككل، فبالنسبة لدولة الإمارات فإنّ المعاهدة ستعزّز فرص الاستثمار بين اثنين من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، وهذه الفرص ستطول مجالات: السياحة والابتكار التكنولوجي والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة.

كما تمهد المعاهدة مع إسرائيل والدور الأمريكي المحوري فيها نقطة انطلاق لفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات الحيوية مما يعود بالرخاء والازدهار على عموم المنطقة التي تقف على إمكانات كبيرة غير مستغلة بالشكل الأمثل بسبب حالة عدم اليقين التي تلف المنطقة، وحالة الاستنفار الدائم، سواء في عصرنا الحالي، أو عصور خلت، فقد كانت المواجهة مع إسرائيل هي من أهم الأولويات لكثير من الأنظمة التي فشلت في توفير تطلعات شعوبها في التنمية.

كما ينبثق القرار التاريخي من واقع أنّ قطيعة السنوات الماضية لن تحقق طموحات وتطلعات الشعوب العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، بل استنزفت طاقات الشعوب العربية وجعلتها في حالة استنزاف اقتصادي وبشري.

كما أنّ معاهدة السلام تهيّئ بيئة بناءة للتقدم في المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ إذ إن معاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل هي بمثابة فرصة للإسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق السلام الذي بدا أنّه هشّ ويحتاج لعمل دءوب، إن معاهدة السلام وبجهد من قيادة دولتي أدت إلى وقف ضم أراض فلسطينية محتلة، وبالتالي نفخ في روح عملية السلام من جديد، وإيجاد فرصة يتوجب البناء عليها من دفع عملية تفاوضية تقود إلى السلام المنشود وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، وما المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية إلاّ قفزة في هذا الفضاء بهدف تخطي الحواجز والحائط المسدود.

كذلك لا بدّ هنا من تأكيد أنّ مباشرة دولة الإمارات العلاقة مع إسرائيل ليست مستغربة، إذ يقيم 29 من أعضاء منظمة التعاون الإسلامى علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وفي خضم ما يقال هنا وهناك من معلومات مغلوطة، فإنّ دولة الإمارات ستواصل جهودها للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولن تستطيع الحملات الممنهجة المُشوِّهة للإمارات تغطية الحقيقة الساطعة أنّ دولتي وقادتها كانا في مقدمة الداعمين لفلسطين وشعبها، وهنا فالمزايدة على الدور الإماراتي مرفوضة.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام