الرسوم الحكومية.. وأسواقنا

آراء

لا بد من العودة إلى موضوع «المغالاة بالرسوم الحكومية» وتأثير ذلك في قطاعات الأعمال؛ كون الرسوم تستأثر بجانب مهم من النفقات التشغيلية، وتؤثر بالتالي في ربحية الشركات، في وقت تمر الأسواق بمرحلة هدوء في كثير من القطاعات، ونمو متواضع في قطاعات محدودة.

يُجمع الكثيرون على وصف الرسوم الحكومية ب«المبالغ بها» والمتغيرة صعوداً بدون سابق إنذار، وبأنها ذاتية تخضع لرؤى مديري الدوائر والمؤسسات، دون النظر إلى المشهد الاقتصادي العام وحال السوق، فيما يرى البعض أنها لا تتناسب والخدمات المقدمة مقابلها.

يجب أن لا يغيب عن ذهن بعض الدوائر التي تؤيد وتعمل على زيادة رسومها، أن شركات وطنية وأجنبية عاملة في الإمارات، نقلت عمليات الدعم أو ما يسمى بلغة الأعمال (back offic) إلى خارج الدولة؛ لتخفيض التكاليف باستخدام عمالة ماهرة بنفقات أقل.

ومع تقدم التقنية وتنوع استخداماتها فإن هذه «الهجرة» المعاكسة في ازدياد؛ حيث إن العمل في الإمارات وخدمة أسواقها يمكن إتمامهما من خلال مكتب محلي متواضع باستثمارات ضئيلة وموظفين محدودين، فيما الجزء الأهم من الاستثمار يمكن توظيفه في دول أخرى على غرار الهند وباكستان ومصر والأردن ولبنان وأوروبا الشرقية، ما يفقد الاقتصاد الوطني أموالاً ضخمة يفترض أن تتدفق في عروقه.

هل يعرف من يدفع باتجاه فرض مزيد من الرسوم وزيادة الغرامات لجني عوائد أكبر لدائرته، أن الشركات التي تشغل جيوشاً من الموظفين لترويج المبيعات مثلاً، بإمكانها -مع التقدم الحالي للتقنية- الاستغناء عن 90 في المئة من موظفيها، واستخدام أضعافهم في الخارج وبنصف التكلفة؟

علينا الإدراك أن المكاسب المحققة من الرسوم الإضافية قد تتراجع، ما يؤثر في الإيرادات الكلية للدوائر؛ لأن أعداد الشركات وأحجامها ستنخفض إذا استمرت سياسات زيادة الإيرادات متجاهلة ظروف السوق المحلي ومتغيراته، وهذا يعني تأثيرات سلبية في الإنفاق الداخلي، وتقليص الطلب في قطاعات عدة.

يتعين على الدائرة أو المؤسسة أو الوزارة وكذلك على شركتي الاتصالات المحليتين وغيرها من المؤسسات الخدمية أن لا تنظر على أن رسومها المفروضة هي الوحيدة، أو أنها تعمل بشكل مستقل ومنعزل عما يدور حولها، فالواقع أن أي عمل تجاري يمارس في الأسواق يحتاج إلى التعامل مع دوائر عدة تفرض هي الأخرى رسوماً مبالغاً فيها.

لا أحد يطالب بخدمات مجانية مقابل تشغيل أعماله، بل المطالبة بأن تكون رسوم الخدمات منصفة تتوازى مع طبيعتها وجودتها وتراعي متغيرات الأسواق.

المطالبة بدراسات مقارنة عن الأسواق المجاورة والعالمية تصبح ضرورية في هذه المرحلة؛ لمعرفة أين موقعنا في التنافسية، فسرعة إنجاز المعاملات ليست بالضرورة مقياساً للنجاح.

المصدر: الخليج