الروائي المصري صبحي موسى: ثورة الاتصالات تفرز طبقة قراء برجوازيين

مقابلات

استطاع الروائي المصري صبحي موسى أن يحجز له مكاناً مميزاً في ساحة الرواية المعاصرة، خلال فترة قصيرة، بفضل أسلوبه المتميز، ولغته الرصينة، وموضوعات رواياته المتداخلة مع السياسة والتاريخ. وهو يؤكد في حواره و«بيان الكتب»، أن حال القراءة والثقافة في مجتمعاتنا باتت في خطر إذ تتهددها موضة الاستعراض التي تسيدت القراءة وذادت بفعل تأثيرات ثورة الاتصالات والإعلام الرقمي عبر مواقع التواصل. كما يوضح أن الروائي مطالب بالتبسيط والاقتراب من هموم وقصص ومعايشات الناس.. ليكون مؤثراً وصوت مجتمعه الحقيقي.

روايتك «حمامة بيضاء» كانت قد صدرت سابقاً.. لماذا تعيد طباعتها الآن ؟

بالفعل صدرت في 2005 عن دار ميريت. ولكنها لم تحظَ بالدعاية المميزة التي تنقلها من مجرد رواية مطبوعة إلى عمل في متناول القراء، ومن هذا المنطق أردت أن أعيد طباعتها لتكون حاضرة؛ خاصة أنني أعتبرها رواية مهمة، إلى جانب أنها ترصد مرحلة هامة في تاريخ مصر؛ إذ تتناول مرحلة بداية الألفية الجديدة وعلاقة المثقف بالسلطة وكيف تنشأ هذه العلاقة، كما تحمل وجوه الثورة الذاتية التنويرية، انطلاقا من الثورة على النفس من جانب البطل الذي يجد خلاصه في التخلص من علاقته بالسلطة التي أثقلته وملامح الثورة والتنبؤ بها قبل حدوثها.

2

عانيتَ وقت صدور رواية «حمامة بيضاء» من تخبط القراء والنقاد لكونك كنت تنظم الشعر حينها. فهل تعيد كتابة الشعر مرة أخرى أم تسير في مشروعك الروائي؟

أظن أنني أكمل مشواري الروائي، فالنقاد والقراء في عالمنا العربي لا يؤمنون أو يلتفتون إلى الكاتب الشامل الذي يقدم إبداعاً في حقول الأدب المختلفة؛ وتفادياً لهذا الارتباك سأكتب الرواية ولا أفكر حالياً في نشر دواوين، رغم وجود ديوانين لي.

تنوع

ما طبيعة ومدى حرصك على نمط ومستوى محدد للغة التي تستخدمها في أعمالك؟

أسهمت بدايتي في كتابة الشعر في أن تكون لغتي رصينة بشكل كبير، لكنني أسعى إلى التخفيف من اللغة، فما يتمناه كل كاتب هو أن ينتج نصاً يقرؤه عابر السبيل في الشارع؛ أي يقرؤه الجميع وليس النخبة فقط.

شهدتْ السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لكتابات جيل الشباب، لدرجة رأى فيها البعض منافسة شرسة لكتابات الكبار. فإلى أي مدى تتوقع استمرارية هذا النوع من الكتابة؟

مصطلح «أدب الشباب» سيظل موجوداً؛ لأنه يعبر عن التغيرات في النوع الكتابي الذي تنتجه المراحل العمرية المختلفة وترددت تحته أسماء عدة؛ إذ إن ظاهرة الكتب «الأكثر مبيعاً» المرتبطة بأدب الشباب موجودة على مدار التاريخ وليست وليدة السنوات الأخيرة كما يظن كثيرون، فهناك أنواع من الكتابات المختلفة استطاعت أن تجذب الشباب إلى القراءة، ونقلت الشباب من القراءة المدرسية إلى الأفق الأكثر اتساعاً، مثل كتابات مصطفى محمود وأنيس منصور، وفاروق جويدة في الشعر، وغيرهم.

ثيمات

كيف تبرر سطوع نجم بعض الكُتّاب دون أن يتناسب هذا السطوع مع مستواهم الإبداعي؟

إن نسبة كبيرة من دور النشر في مصر تحاول أن تعتمد فكرة «صناعة النجم» من خلال قوائم الكتب الأكثر مبيعاً والطبعات المتعددة للعمل الأدبي والأفكار التي يتناولها العمل؛ ما أفرز ثيمات معينة للكتابة، والمشكلة تبقى في أنها خلقت العديد من النجوم في وقتٍ قصير، لكنهم سيسقطون بالسرعة ذاتها التي وجدوا فيها.

هل تتغير البلاغة اللغوية من جيل إلى جيل؟

لا يوجد أدب دون بلاغة، لكن لكل زمن بلاغته الخاصة به؛ فتطور العلاقات واللغة ينتج مجازات ودلالات جديدة، كما أن الحقول الدلالية للكلمات تتطور، فالتطور البلاغي في المجتمعات اقتضى التخفيف من البلاغات القديمة؛ فبلاغة المنفلوطي لا يمكن أن تكون على مستوى بلاغة جيل الستينيات، وهكذا بالنسبة إلى بلاغة جيل اليوم. فكُتّاب «الأكثر مبيعاً» يراهنون على ما يريده القراء من جمهورهم..في حين تبرز فكرة «الاستغراب في مقابل الاستشراق» لدى نوع آخر من كتاب الشباب، الذين يراهنون على كتابة جيدة ومتميزة باستخدام لغة رصينة وكلاسيكية، خاصة أن إيقاع الحياة بالنسبة إلى الشباب مختلف عن الجيل السابق، فالتطورات التي شهدها الشباب -سواء تكنولوجياً أو سياسياً أو غيرهما- تنعكس على كتاباتهم.

آليات النقد

هل ترى أن التكنولوجيا الحديثة أفادت القراءة في وقتنا الحالي؟

ثورة الاتصالات منذ بداية الألفية، أضافت طبقة جديدة من القراء، وهي الطبقة البرجوازية التي تقرأ بهدف المنافسات الاستعراضية، فليس هدفها الثقافة في حد ذاتها، بل الاستعراض؛ ما أضاف جانباً جديداً من ظاهرة «الأكثر مبيعاً»، من خلال نشر نوع من الكتب يخاطب الجمهور العام وهدفه التسلية.

كثيرون يلقون باللائمة على النقد.. فهل بات قاصراً في هذه الآونة؟

آليات النقد تطورت بشكل كبير، من خلال تطور ما ينشر في الصحف، لكن يظل الإبداع سابقاً للنقد بمسافة كبيرة، فالتطورات الإبداعية سابقة للنقد وليست على المستوى ذاته.

ولا تفوتني الإشارة في النهاية إلى أن الجوائز العربية الأدبية التي باتت تحضر بكثافة وبقوة تأثير مهمة في المشهد، جيدة ومهمة، لكن على المبدعين أن لا يتحولوا صائدي جوائز، يكتبون فقط أعمالا لأجل جائزة ما أو نيل أخرى أو.. إلخ.

ما الجديد الذي تحضره لقرائك؟

أحتفي بإعادة صدور «حمامة بيضاء». كما أعكف على قراءة بعض من كتب التاريخ القبطي في مصر، حيث أجهز قلمي لرواية جديدة أعمل عليها تتناول جانباً من مصر القبطية، وبالتأكيد هناك ضغوط تحملني إياها هذه الرواية؛ بداية من كوني مسلماً أكتب عن المسيحية، وكذلك تحتاج إلى بحث مكثف ودراية كاملة عن مجريات الأحداث بتلك الحقبة البعيدة.

«حمامة بيضاء» ترسم ملامح المثقف المسؤول

بعد رحلته مع «الموريسكي الأخير» يطل الروائي المصري صبحي موسى على القراء برواية جديدة في طبعتها، وهي رواية «حمامة بيضاء» التي يعيد موسى نشرها من خلال مؤسسة بتانة للنشر، والرواية تطرح تساؤلاً هاماً: لماذا تقوم الشعوب بالثورات؟ ومن خلال عالم المثقفين المثقل بالأفكار والمعتقدات تتباين ردود الفعل، حيث تختلف من فرد إلى آخر ضمن حبكتها؛ إذ تلقي الضوء على عالم المثقفين بطرح تساؤل خاص: ما دور المثقف بالتحديد: هل عليه أن يقف ويراقب أم ينخرط في الأحداث السياسية؟ وما هو المقياس بين كونه إيجابياً أو سلبياً بالمجتمع الذي يعيش فيه؟

عوالم

وتشكل هذه الرواية قيمة خاصة في طبيعة معالجاتها وتصويرها لدور المثقف. إذ إنها تستمد ذخر وعوالم الشعر في حبكتها، كون كاتبها صبحي موسى قد طرق بوابة الشعر قبل أن يدخل عالم الرواية، وقدم القصيدة النثرية التي أثرت جانب السرد لديه، وامتزج السرد عنده بين التعبير الشعري والبلاغة الأدبية، وهو ما وضح جليا لافتا في «حمامة بيضاء»؛ لاسيما أنها من الأعمال الأولى التي سطرها بعد كتابته للشعر ودخل من خلالها عالم الرواية.

إمكانات

وتتبدى في الرواية قدرة المؤلف على تشكيل الصورة واللعب في حقل الخيال الأدبي بطريقة سلسة تؤهل العمل للوصول إلى المتلقي بحرفية عالية وسلاسة واضحة، ذلك من خلال السرد والصور التشبيهية والترتيب الزمني الذي يفصل القارئ عن محيطه وقت إمساكه بالرواية ليغرق في عالمها. وفي هذه الرواية اعتمد موسي على التوازي بين أكثر من خط في السرد، وهو التكنيك ذاته الذي اعتمده في روايته الأولى «صمت الكهنة».

«الحياة الصغيرة»

ويقول الدكتور صلاح السروي عن أسلوب صبحي موسى في روايته «حمامة بيضاء» (انه كان بارعاً في مزجه بين المستويات العديدة سواء لدى الشخوص والعالم الخارجي أو المستوى المادي والمستوى السحري، وانتهى لتطهير «رئيس التحرير» بطل الرواية، الذي اعترف بآثامه له كراو في النص وتطهير «مدير التحرير» بخروجه من ماديات الحياة الصغيرة).

ورغم أن الرواية صدرت للمرة الأولى عام 2005م، إلا أنها لم تلقَ الرواج والنجاح المناسبين لها، وأرجع صبحي موسى ذلك إلى أن دار النشر تعاملت معها بوصفها عملا يجب أن تخجل منه، فلم تعرضها كما ينبغي.

«ارفعوا مقامه»

ومن ما يدبجه ويقوله موسى في نصوص العمل: «مات الأخضر، وماتت حماماته البيض بعدها رفرفت على وجهه، رأت فاطمة زوجها في البعيد يسقط، ورأت الحمامات تنوح، فتركت رضيعها وصارت تولول حين وصلت إليه. كانت الحمامات قد نسجت ثوباً من ريشها الأبيض عليه.

وضربت بأجنحتها فطارت وطار ثوبها في الأعالي. ولم تجد فاطمة سوى بعضاً من حبوبه التي نبتت في الأرض». ويتابع:«نظرت إلى السماء فرأت عموداً من حمام يخترق الحجب. ورأت سيداً يمشي في الهواء ويفرد على الأرض جناحيه. لوح لها بالفرح ولوحت له بالبكاء، حين عادت إلى عشتها رأت سرواله على شكل خارطة وثوبه قبة في الفضاء، قالت: ها هنا ابنوا مسجده، وها هنا ارفعوا مقامه وزينوه بأعلامه الخضراء».

التزام

تبدو الرواية نتاجا متفردا في سياق أعمال صبحي موسى، بفضل ما تشتمل عليه من دلالات نوعية وإشارات تدين الخطأ وتؤشر إلى جادة الصواب بجرأة ومصداقية. وذلك يتسق مع توجهه وخياراته كشاعر وروائي صدر له في وقت سابق أعمال تلتزم قضية محددة واضحة ومنبنية على أهداف محددة.

وذلك مثل: «في وداع المحبة، صمت الكهنة، المؤلف، لهذا أرحل، أساطير رجل الثلاثاء»، إضافة إلى «الموريسكي الأخير» التي كتبها بمنحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون «آفاق» التي فاز بها عام 2013. كما سبق أن حصل على جائزة أفضل عمل روائي في معرض القاهرة الدولي للكتاب في 2014 عن روايته «أساطير رجل الثلاثاء».

المصدر: البيان