سلمان الدوسري
سلمان الدوسري
رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط

السعودية بلا محرِّضين

آراء

ابتداءً من اليوم، سيكون الشارع السعودي أكثر نضجاً، وأقل عدوانية. ابتداءً من اليوم لن تكثر الاجتهادات والتفسيرات البريئة منها والخبيثة. ابتداءً من اليوم، موعد التطبيق الفعلي لقرار معاقبة المنتمين والمتعاطفين مع الجماعات الإرهابية، لن نجد بيننا مَن يحرِّضون على الدولة ورجالها ومؤسساتها بشكل واضح ومكشوف ومخزٍ، تحت ستار مزاعم الإصلاح تارة وحرية الرأي وحقوق الإنسان تارة أخرى أو أنهم السد المنيع للإسلام تارة ثالثة. نعم، يعلنون أن هذه البلاد لا تخدم الإسلام كما تفعل جماعاتهم.

الأمر الملكي، وما لحقه من بيان وزارة الداخلية، أمس الأول، جاء بقانون غير مسبوق على الساحة السعودية، حدّد فيه تفاصيل كانت مبهمة وغامضة، وسد ثغرات استُغلت أبشع استغلال، بعدما أعلن عن أسماء الجماعات والتيارات المتطرفة التي عدّها إرهابية، وكذلك أولئك الذين يخلعون البيعة، وما أكثرهم، أو تأييد تلك التنظيمات أو الجماعات أو الانتماء إليها أو التعاطف معها أو الترويج لها، “ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، ومواقع الإنترنت”. الحقيقة أن هؤلاء معروفون للجميع بأسمائهم وصفاتهم، ومشاركون في وسائل الإعلام، ككُتاب صحف أو صحافيين أو مُعدي أو مُقدمي برامج تلفزيونية أو ناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي أو أساتذة جامعات. الأكيد أنه من السذاجة توقع أن يكونوا، جميعاً، عقلاء ويعودوا عن أفكارهم في غمضة عين.

بعد اليوم لن تكون خطورة المنتمين والمتعاطفين مع الجماعات المحظورة والمحرِّضين على الإرهاب، واضحة للعيان كما كانت سابقاً. من التسطيح اختزال القضية في أصابع أربعة تختفي، أو تعاطف بشكل مباشر، كما كان يحدث سابقاً، العملية منظمة ولا تخطئها الأعين، يعملون وفق أجندة يتحركون من خلالها، سواء كان ذلك بوعي من الأتباع أو لا. الواضح أنهم يُستخدمون أسوأ استخدام. خذ عندك آخر الأمثلة.. عندما صدر البيان الخليجي الثلاثي بسحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الشقيقة قطر، وجدنا أن جميع، نعم جميع، مَن هم متعاطفون مع الجماعات الإرهابية، “القاعدة” أو “الإخوان المسلمين” أو “حزب الله السعودي” مثلاً، رفض هذا البيان وشكّك فيه وانتصر للطرف الآخر. نعي أن القرارات السياسية ليس شرطاً أن تكون لها شعبية، ونعي أنه يحق لكل شخص أن تكون له مواقفه وقناعاته، ونعي أيضاً أن هناك مَن يتحرّك بحسب مَن يدفع له أكثر، لكن ألا يثير الاستغراب أنه لا يوجد شخص واحد لديه رأي يختلف عن رأي “الجماعة”؟!

القوانين وُضعت لتطبق وتعزّز هيبة الدولة، ولم تعان السعودية أخيراً كما عانت من عقوق بعض أبنائها بانتمائهم، بطريقة أو أخرى، لجماعات وأحزاب اتفق الجميع أخيراً على أنها إرهابية. التابع والمتبوع لهم تكتيكاتهم للاستمرار في نهجهم، فمَن اعتاد سلوكاً معيناً لا تنتظر أنه سيعود عنه بسهولة، وحده تنفيذ القانون بصرامة والإعلان عن العقوبات والمعاقبين، سيعجِّل بتغيير تلك السلوكيات وإخمادها بعد أن عاثت في الأرض إفسادا.

بمجرد الإعلان عن أول حكم قضائي وتفعيل القانون أعلاه، ستكون بلادنا قد تخلصت من عبء أثقل كاهلها. الأحكام القضائية ضدّ المحرِّضين وحدها ستقطع أثر الإرهابيين في بلادنا.

المصدر: الإقتصادية