الضحية والجلاد

آراء

من أظرف أشكال الكذب في الخطاب السوري الرسمي أن أغلب المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في سورية ليست سوى “تمثيلية” تجري فصولها في مدينة تركية ضمن “المؤامرة العالمية” ضد سورية.
قال محدثي السوري: لا تصدق ما تشاهده عبر الجزيرة والعربية. وأوصاني – مخلصاً – أن أشاهد قناة الدنيا السورية “فهي الوحيدة التي تنقل الواقع”! ولم أتمالك نفسي مستغرباً: يا ساتر! محدثي الطيب ليس موظفاً رسمياً في الإعلام السوري، بل إنه من ضحايا سوء الحالة السورية التي دفعته – مثل ملايين سوريين غيره – للهجرة والتشرد.
آلة “التضليل” السورية تلعب على وتر “المؤامرة” التي يتلقفها السوري البسيط وأمثاله من ضحايا نظرية المؤامرة المتجذرة في العقل العربي. أقسم صاحبي أن الجيش السوري لم يطلق رصاصة واحدة ضد مواطن سوري.
سألته عن مشاهد التعذيب والنحر ضد المتظاهرين السوريين، فأجاب: إنها المعارضة تعتدي على الضباط ثم ترتدي زيهم العسكري من أجل تشويه صورة الجيش والنظام.
سألته: كيف عرفت؟ عاد وسأل: ألا تشاهد قناة الدنيا؟ من أشد حالات البؤس أن يدافع المظلوم عن ظالمه أو يبحث الضحية عن أعذار لجلاده.
تلك الحالة لم تأت بين يوم وليلة، إنها “مشروع” أسس له ورعاه نظام القمع السوري منذ عقود وأنتج أجيالاً ربما لو سألت بعضها: من ربك؟ لأجاب: بشار! ثم هبت رياح “الربيع” فكسر الإنسان حاجز الخوف داخله فعاد له بصره وبصيرته ليبدأ في الانتصار لنفسه بعد طول تهميش واحتقار!
ستمارس آلة التضليل السوري كل ما أمكنها من أكاذيب وغباء وسينخدع بها بعض البسطاء والطيبيين.
لكن العاصفة قد انطلقت ولن تتوقف قبل أن تقتلع شجرة الكذب والإجرام!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٣) صفحة (١٧) بتاريخ (١٦-٠١-٢٠١٢)