أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

العالم بعدسة واحدة!

آراء

في ٢٠٠٨ شاركت اليسا ميلر بعرضٍ تقديمي ألقته خلال إحدى فعاليات “تيدكس” . مدة العرض لم تتجاوز أربع دقائق لكنه كان يحمل في طياته رسالة ذات بعد جدير بالملاحظة والاهتمام. ميلر التي كانت ولا تزال تشغلُ منصب المدير التنفيذي للإذاعة العامة الدولية التي تبث من مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية. كانت قد افتتحت عرضها التقديمي بعرض خريطة العالم، ثم قارنتها بخريطة أخرى افتراضية “كاريكاتورية” للعالم من وجهة نظر الشعب الأمريكي . تلك الخريطة الافتراضية بحسب ميلر تعكس النظرة الذهنية التي شكلتها القنوات الإخبارية من خلال التركيز في تغطياتها التلفزيونية وشبكات مراسليها على مناطق محددة من العالم مع تجاهل تام لتغطية أخبار مناطق أخرى . وبالتالي نجد أن العراق على سبيل المثال وقد ظهر على الخريطة الثانية مستأثراً بمساحة شاسعة تضاهي مساحة الولايات المتحدة ذاتها! ثم تتوزع بقية المساحات في الخريطة على بضعة دول أخرى، بينما تتقلص بل وتختفي تماما بقية دول العالم و التي يحجم الإعلام الأمريكي عن الالتفات إليها أو ربما يتجاهلها تماماً . وتختتم ميلر عرضها التقديمي برسالة مفادها أن اللائمة لا تقع على المشاهد الأمريكي من حيث جهله بالعالم الآخر، وإنما على نوعية ومحتوى الرسائل الإعلامية التي يتلقفها ذلك المشاهد عبر شاشة التلفاز ، ثم تعقد مقارنة بالنسب والأرقام مع الأخبار المنشورة عبر المواقع الاخبارية الالكترونية وتخلص إلا أن الوضع لا يختلف كثيراً!   

أعتقد بأن الإخباريات العربية في مخاطبتها للجمهور ليست بعيدة عن نظيراتها في الولايات المتحدة أو في مختلف دول العالم . فالاكتفاء بالتركيز على مناطق الصراع فقط أو الانحياز في التعاطي مع الخبر بصبغةٍ تعكس توجهات تيارات فكرية أو مذهبية معينة ، وبناءً عليه يتم التضخيم من حجم قضية ما ومنحها درجةً من الأهمية على حساب قضايا و قصصٍ صحفيةٍ أخرى  لاتقل أهمية بالنسبة للمواطن العربي. إن الإمعان في مناقشة بعض القضايا ومنحها مساحة واسعة من ساعات البث التلفزيوني،  ثم إتباع تلك النشرات ببرامج مخصصة للتعليق على ذات الأخبار و إشباعها تحليلاً ونقداً بصورة مبالغ فيها أحياناً .  بل وبتكرار ممل من خلال استضافة ذات الضيوف الذين بات المتلقي يستطيع تخمين آرائهم سلفاً حتى قبل أن ينبسوا ببنت شفة ! كل ذلك يأتي حتماً على حساب رسائل إخبارية أخرى أكثر تنوعا وشمولية ومع ذلك يتم تجاهلها.

لا ننكر بأن القنوات الإخبارية العربية قد لعبت دوراً بارزاً في رفع مستوى الوعي السياسي للفرد العربي و جعلته على اطلاع مباشر بالقضايا التي تطفو على السطح في محيطه الإقليمي . لكن تلك القنوات هي في المقابل مسؤولة بشكل أو بآخر عن حرمان المشاهد العربي من توسيع نطاق معرفته ودرايته بما يحصل خارج حدوده الإقليمية والجغرافية. إن الإعلام بوسائله المختلفة – والتفاز في مقدمتها –  يُعدُّ أداة قوية وفاعلة . والقائمون على تلك الأداة تقع عليهم مسؤوليةٌ في اتجاهين : إما المبادرة لتعميق وعي المتلقي أو الاكتفاء بتسطيحه ! إما تقديم صورة شمولية لخريطة العالم بعدسات مختلفة أو الاكتفاء بعدسة واحدة !

خاص لـ “الهتلان بوست”