العالم يتنهد

آراء

هكذا نرى العالم، وهو يتابع عن كثب ما يحدث بين الجارتين اللتين كانتا في يوم ما ضمن منظومة سياسية وجغرافية وأيديولوجية واحدة، واليوم، وقد تفرقت بهما السبل وصار ذلك الاتحاد الكبير الذي كان يضم شرق أوروبا وبعض آسيا طرائق قدداً، وتحول الحب غير الرومانسي إلى تضاد في المصالح والرؤى، ما جعل للرياح العاتية طريقاً إلى ضلوعها المهترئة وسهولة توغل الغبار إلى شرايينها.

اليوم ومع اشتعال نيران الحرب بين الدولتين روسيا وأوكرانيا أصبح العالم بين فكي كماشة القلق من أن يتطور الصراع إلى ما لا يحمد عقباه، ولكن مع كل هذا الاحتقان هناك يبرز الأمل بالعقلاء، والذين هم رمانة الميزان في هذا العالم المليء بالمجانين والذين يتأبطون شراً لشعوب الدنيا قاطبة، ولذلك عندما تطير شرارة من مكان ما، فإن أنهار الإطفاء تتدفق سعياً لإخماد ما يحدث أملاً في إنقاذ البشرية من الشر، ومن كل ما تضمره العقول الحاقدة.

نعم نقولها وبثقة بأن هذه الحرب لن يطول أمدها، ولن تحرق أكثر مما أحرقت، لأن ملائكة السلام أسرع من شياطين الكراهية. لا بد للعقل أن ينتصر، ولا بد للقيم الإنسانية أن تفرض قانونها، ولا بد لأحلام الشعوب الزاهية أن تلون السماء، وتنهي شغب الدخان ورائحته النتنة.

هذا سيحدث، لأن الخير أقوى من الشر، ولأن الشر مثل فقاعة لا بد وأن تسحقها موجة الخير وتذهب بها إلى غير رجعة.

نقول «رب ضارة نافعة»، وأن ما يحدث ربما يوقظ ضمير العالم على فكرة أهمية أن نكون جميعاً في القارب الواحد متحدين، متضامنين من أجل حياة أفضل ومستقبل يضمن طموحات الشعوب في جميع أنحاء العالم، ويسدد خطاهم نحو التقدم والازدهار المنشودين.

في الحرب لا يوجد منتصر وكل الذين حلموا بإسكات صوت الآخر نالهم ما نال الإسكندر الأكبر، وانتهوا إلى لا شيء، وهذه العبر يعرفها المتخاصمون ويجيدون قراءتها منذ نعومة أظفارهم، الأمر الذي يزيد من تفاؤلنا ويدعم قدرتنا على الطمأنينة من أن هذه الحرب الدائرة رحاها في شمال القارة سوف تحط رحالها ويذهب دخانها، وينجلي زبدها، وتسكت مدافعها وإلى الأبد، لأن لا أحد يرغب في الحرب سوى الأغبياء والعالم اليوم يزخر بالأذكياء الذين يعلون كلمة السلام على كل شيء، لأن الحرب ليست إلا مخلب موت ودمار وانهيار للحضارة الإنسانية.

ليس هذا مجرد حلم، وإنما هي الحقيقة الوجودية التي تحكم قانون العلاقة بين البشر، وهي التي تضع الموازين مثقلة بالوضوح فلا يغفلها عاقل، ولا يتجاهلها حكيم.

مرة أخرى أقول سوف ينتصر كما انتصر على معضلات جمة وحقق نصره بامتياز، وتجاوز الإنسان عقبات وكبوات لأن الحياة هو هذا ديدنها وهذا ناموسها، فلا تستقيم أعواد أشجارها إلا عندما تكون الطبيعة هانئة بلا رياح تعرقل طمأنينتها.

المصدر: الاتحاد