العرب في الغربة

آراء

يسافر كثير من العرب إلى بلاد الغرب بشخصيتين مختلفتين: شخصية محبطة تبحث عن فرصة لتأسيس حياة كريمة وشريفة، وشخصية أخرى مصنوعة في الخيال. يترك بلاده الفاشلة والمتهالكة والمنهارة أو الموشكة على الانهيار عاقداً العزم على بناء حياة جديدة في بلاد الآخرين. عندما يصل ويستقر يترك شخصيته المحبطة التي دفعته للاغتراب ويتلبس شخصية ملؤها الغرور. لا ينظر للمجتمع الجديد بوصفه فرداً سوف ينضم إليه ويتعايش معه وسيأتي اليوم الذي سيصبح واحداً من مواطنيه. يتقدم للمجتمع مندوباً لخير أمة. يرى أن واجبه يملي عليه أن يغير المجتمع الذي يستضيفه.

جاء إليهم محملاً بكمية وافرة من الأخلاق العظيمة التي لم ترَ التطبيق في بلاده لا على مستوى العائلة ولا على مستوى الشارع ولا على مستوى المجتمع. لكنه مقتنع أن هذه الأخلاق الفاضلة هي الأخلاق التي تمثله وتمثل المجتمع الذي جاء منه. يحتاج العالم أن يتعلمها منه. وفي كل مرة يصطدم بموقف يهز قناعته ويفرض عليه احترام المجتمع الذي استضافه تقفز كلمة (حضارة مادية). يلجأ إلى هذه الكلمة لتمنعه من مساءلة المنظومة الأخلاقية التي جاء بها. يتعارك مع المنطق في عقله لكي يبقى هذا المجتمع ومجتمعات العالم أدنى منه. يستبعد من خياله أنه جاء إلى بلاد الغرب مطارداً وجائعاً ويعاني من الظلم والفوضى.

عندما تناقشه أن هذه الأخلاق التي يتقمصها ليست واقعية يقر أنه تلقاها في المنابر. لا تاريخ تطبيقياً لها على أرض الواقع. ولكن هذا لا يمنعه من النظر إلى دوره الرسولي. معايير أخلاقية افتراضية سمعها منذ طفولته في الخطب والمنابر من كثرة تكرارها في حياته ظن أنه يمتلكها ويعيشها ومن واجبه التبشير بها.

عند كل فشل لا يفتش في مؤهلاته وخبراته وحدود إمكاناته وإنما تتدخل شخصيته المتعالية وتقدم التبريرات اللازمة. مهما تفوقوا عليه هو أفضل منهم. يكفيه فخراً أنه رجل أخلاقي. لا يتردد من التهرب الضريبي ونيل الدعم المالي الحكومي والمساعدات التي تقدمها الحكومة لأصحاب الدخول المنخفضة وهو لا يستحقها.

تمضي حياته المغتربة الهامشية ظاناً أنه في صراع مع الغرب والغربة. لا يجرؤ على محاكمة نفسه. في كل مرة يفشل في عمل لا يرى أن السبب سوء أدائه وضعف مؤهله والازدواجية التي تنتظم حياته.

المصدر: الرياض