محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

العقل الجمعي العربي

آراء

لو طُلِبَ من فرد ومجموعة مكونة من ألف شخص أن يخمنوا عُمر شخص آخر أو وزنه لا شك أن معدل إجابة الجماعة ستكون أقرب للدقة من مجازفة تبني رأي واحد.

هذه الفكرة التقريبية التي بني عليها «العقل أو الذكاء الجمعي» موجودة حاليًا في جيبك وفي قطاعات أخرى.

فكل هاتف نحمله هو في الواقع يضم تطبيقات ومواقع تقيس مدى ترددنا على خبر أو سلعة أو خدمة معينة، فيحفظ في ذاكرته ملايين السلوكيات التي يمكن أن تتنبأ إلكترونيًا بما ينشده أو يفضله المستخدم.

ومن أمثلته موقع «غوغل»، وموسوعة «ويكيبيديا»، وأسئلة «ياهو»، والأحزاب السياسية، والشركات الناجحة، والنقابات، ومدارس الموهوبين، ومجالس الإدارة، والهيئات الاستشارية. هذا يعني أن الذكاء الجمعي collective intelligence هو تعاون تكافلي للقدرات الذهنية في مسعى لتجنب القصور أو الانحراف الإدراكي الفردي، مقارنة بالتفكير الجماعي للعقول.

وهذا ما لا يدركه من يؤثر الانفراد بالرأي على حسن الإصغاء لآراء من حوله.

ولا يختلف عاقلان على أن هناك قوة بشرية هائلة تبزغ حينما نجمع الناس مكانيًا أو إلكترونيًا، لنستقي منهم معلومات تساعدنا وتساعدهم في اتخاذ القرار. من هنا، جاءت أيضًا أهمية الشورى أو الديمقراطية. وربما هذا ما جعل دساتير عدة تقيد قرار شن الحروب بيد البرلمان أو الحكماء حتى لا يلقي زعيم ديكتاتور البلاد والعباد في أتون معاركه وعنترياته.

والذكاء الجمعي موجود في مخلوقات أخرى، مثل مجتمعات النمل والبكتيريا والنحل والطيور والأسماك وغيرها، التي أظهرت دراسات أنها تؤدي نتائج مذهلة إن اجتمعت على صعيد واحد.

أما المحزن فإنه كم من عبقري عربي تم نفيه أو تعذيبه أو اضطهاده لأنه لم يجد بيئة صحية تجمعه مع أقرانه، وكم من عبقري زُج به في سجون الديكتاتورية لأنه كان لديه رأي مغاير عن السائد، ولو أنه جمع مع ثلة من أمثاله لكانوا نواة لمشروع وطني يرفع اسم بلادهم.

وهذا الأمر يبرز أهمية اهتمام البلدان بتوسيع دائرة حريات التعبير المسؤولة، ورعاية مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات وجمعيات النفع العام التي تضم كوكبة من المتخصصين يجمعهم حب المهنة أو الشغف بقضية مجتمعية. وهو أسلوب حضاري لاحتضان طاقات المجتمع في تخصصاتهم حتى لا ينزلقوا في دهاليز السياسة أو غيرها، التي لها رجالها. ذلك أن السياسة في عالمنا العربي أصبحت الشغل الشاغل لمن لا شغل له وأحد أبرز الأسباب هو الفراغ الذي نعيشه!

لا يمكن أن يتقدم مجتمعنا العربي بسرعة تواكب بدائع التقدم العالمي من دون الاستفادة المدروسة من «العقل الجمعي العربي»، الذي لا يقل قدرة وإبداعًا وتفانيًا عن نظيره الغربي. فكل ما تحتاجه عقولنا تلك البيئة الصحية الحاضنة التي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. والأهم المجموعة المناسبة.

المصدر: البيان