العنف ضد المرأة … مجدداً

آراء

خاص لـ هات بوست: 

اشتكت إمرأة في إحدى الدول العربية على زوجها الذي مارس عليها عنفاً شديداً، وصل إلى حد طعنها بالسكين، ثم نقلت الشكوى، تطلب النصح، إلى شيخ معروف وأحد أساتذة الشريعة في جامعة مشهورة، له برنامج على إحدى المحطات، ولم يتوان الشيخ عن وصف شكواها بالمبالغة، “على عادة النساء”، ورأى أنها لا بد قد استفزت زوجها حتى اضطر لفعل ما فعله، ثم لا حل أمامها إلا أن تقبل بوضعها وتتذكر حسناته.

قد يبدو الأمر مفهوماً من “شيخ” نشأ على اعتبار المرأة هي الشر على هذه الأرض، ابتداء من التفاحة والطرد من الجنة، مروراً بأغلب المعاصي، انتهاءً بالنار التي أغلب سكانها من النساء، أو أغلب النساء سكانها، معلقات من شعورهن وأثدائهن، مع كل ما في الطريق من موروث محمل بحكايات تحالف المرأة مع الشيطان لغواية الرجل، السيد المبجل الذي هيأ الله له كل أسباب المتعة، وأهمها هذا الكائن الأقل منه شأناً، والناقص عقل ودين، لكنه حامل الفتنة، ولا بأس إن ترفق به أحياناً، لكنه يحتاج لتأديب بين آنٍ وآخر، كي يبقى ليناً طيعاً، وإلا فهو ملكه يفعل به ما يشاء.

نعم لا غرابة في طلب الشيخ من المرأة السكوت، والعودة لطاعة زوجها، ليس من قبيل الحفاظ على الأسرة، بل لأنه وجد الوضع طبيعياً، أن تضرب وتطعن وتهان، فلا ضير، ووفق قوله “من سيتزوجها فيما لو طلقت؟ ومعها أولاد”، ولا غرابة في تعليقات السادة الرجال، لكن ما أجده بحاجة ملحة لدراسة من خبراء علوم النفس والاجتماع هو آراء بعض النساء المؤيدة للشيخ والدفاع عنه، بصفته “أستاذ”، ولا أعلم إن كانت “متلازمة استوكهولم” تفسر هذه الحالة، حيث تدافع الضحية عن الجلاد بكل ما أوتيت من قوة، فالأمر تختلط فيه جوانب عدة، والمرأة كذاك الشيخ تماماً، نشأت في بيئة تعتبرها في أفضل الأحوال “قارورة”، أو حلوى يجب تغطيتها من الذباب، وتشربت شعوراً بالدونية يجعلها تقتنع أنها أدنى في الخلق من سيدها الرجل، وصدقت ما قيل لها زوراً على لسان الرسول (ص): “ لو كان في جلده قرحة فمصتها، ما أدت حقه”، ولو أن الرسول أمر أحد بالسجود لأحد “لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”، ولم تنظر إلى نفسها ضمن هذه البيئة إلا وهي مساوية للحمار والكلب الأسود، تقطع الصلاة كما يقطعانها تماماً، ومع كل ذلك فهي مكرمة عليها أن تفخر بأن هناك حديث ملفق أيضاً يجعل الجنة تحت أقدامها فيما لو كانت أماً، أي وفق ما كان يقول الدكتور الراحل محمد شحرور “نبر أمهاتنا لندخل الجنة وهن يدخلن النار”.

والمضحك المبكي أن معشر النساء لا يصدقن أن كتاب الله قد أنصفهن، فسطوة الموروث الفقهي والاجتماعي أقوى، والدين المخترع في العصور الغابرة تماشى مع المجتمع الذكوري المهيمن، بحيث لم يعد أحد يكلف نفسه عناء النظر في التنزيل الحكيم قليلاً، ليقرأ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13) فيرى أن الطرفين متساويان في الخلق و {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل 97) أي متساويان في الأجر، والله تعالى كرم مريم عليها السلام، وأثنى على ملكة سبأ، وذم من يفضل الذكور على الإناث، بل على العكس {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} (آل عمران 36) ولو أنه تعالى أراد تفضيل الذكر لقال “وليست الأنثى كالذكر” حتى لو كان القول على لسان إمرأة عمران ، والرسالة المحمدية وضعت حجر الأساس نحو المضي في المساواة بما يتماشى مع تقدم الإنسانية في هذا الاتجاه، إلا أننا آثرنا الوقوف في الزمان والمكان لنقزم هذا الدين، ونجعل منه مطية لاضطهاد النساء، ليأت “شيخ” ويبرر العنف الأسري ويجد من يشد على يده مؤازراً.

وإذ أجدني أكرر الموضوع نفسه مرات عدة، لكن الحال تحتاج للكثير من الكلام والعمل، فالوضع مستفز، وله جوانب متشعبة، سواء من ناحية تغيير المفاهيم الدينية بالعودة إلى كتاب الله تحديداً، ورمي كل العنعنات جانباً، قديمها وحديثها، والعمل من ثم على إعادة تأصيل الأصول، بحيث نفصل بين الدين والأعراف، فالأعراف يجب أن تتغير تبعاً للظروف، ونحن ذكور وإناث علينا العمل على صياغة أعراف جديدة أكثر إنسانية، أوالمطالبة بقوانين منصفة، تحقق الأمان للمرأة وأولادها، أو حثها على تحقيق استقلالها الاقتصادي بالعلم والعمل، كي لا تبقى رهينة مضطرة للتنازل عن حقوقها مقابل سقف يأويها أو رعاية طفلها، بل تعامل ككيان مستقل ليس تابعاً لأحد يعتبر نفسه كرمها بقوله هي الأم والأخت والزوجة والابنة والحبيبة، إنما هي بذاتها.

رب من سيقرأ ويوافق الشيخ أن من طبع النساء المبالغة، لكن للأسف الواقع محزن، وأكثر ما هو مسيء للإسلام دين الرحمة والإنسانية هو ممارسة أشد أنواع العنف بضوء أخضر منه زوراً وبهتاناً.