العيد الوطني السعودي… تسعون ربيعاً

آراء

تسعون ربيعاً مرت على قيام المملكة العربية السعودية، على قيام واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بعد ملاحم التوحيد التي خاضها المؤسس مع رجالاته المخلصين في عرض الجزيرة العربية وطولها، حتى حانت لحظة إعلان الدولة كياناً مستقلاً مظفراً، والذي تحين ذكراه يوم الأربعاء القادم 23 سبتمبر (أيلول).

أعياد الأوطان هي مواسم تذكير سنوية بضخامة المنجز، واستقرار الدولة، واستحضار الماضي المجيد، للفرح بالحاضر، وبناء المستقبل، في حراكٍ تاريخي لم يتوقف بتحدياته وإنجازاته، ولن يفعل في المستقبل؛ لأن بناء الأمجاد لا ينتظر، وصناعة التاريخ لا تتوقف.

تمر هذه الذكرى العطرة والسعودية قد تحولت إلى ورشة إصلاحٍ وبناء ضخمة لا تتوقف ولا تتباطأ؛ بل هو العمل الجاد المقرون بالأمل المضيء، في ظل «رؤية السعودية 2030» التي بناها ويقودها عرَّابها الكبير، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لتعريف غير المختص، فهذا هو يوم الاحتفال بالعيد الوطني للدولة السعودية الثالثة، الدولة الحديثة، دولة عبد العزيز وأبنائه ورجاله، هذا صحيحٌ تماماً، ولكنها أيضاً تمتد لقرونٍ ثلاثة في التاريخ، منذ أنشأها محمد بن سعود وأبناؤه وأحفاده، حتى سقطت الدولة تحت معاول المحتل التركي الباطش، ولم تلبث أن قامت مجدداً وسادت على أرضها وفرضت هيبتها، ثم سقطت ثانية، حتى قامت مجدداً على يد المؤسس الملك عبد العزيز، رحمه الله.

قيام الدول وسقوطها ليس صدفة؛ بل هو محكومٌ بصراعاتٍ كبرى داخلية وخارجية، وتحدياتٍ لا تتوقف ولا تهدأ، ولذلك فهذه الدولة محكومة بالاستمرارية والنجاح، وهذا هو التاريخ المجيد الذي تقف عليه قوية متطلعة، وهو يحكي قساوة التاريخ وظفر القادة ونجاح الرؤى ومحبة الناس.

السعودية وهي تحتفل بعيدها الوطني التسعين في هذا العام، تتطلع بشغف متوثب لقمة العشرين التي ستنعقد على ترابها وفي عاصمتها الرياض؛ حيث هي الدولة العربية الوحيدة التي تتسنم هذه المكانة الدولية بين اقتصادات العالم العشرين الأكبر، وهي مكانة قاد لها الاستقرار السياسي الذي بنى اقتصاداً بالغ التأثير في كل المجالات، وجعلها تقود قطاعات من أهمها قطاع النفط والطاقة حول العالم.

لا يمكن أن يشرح أي كاتب الأبعاد التي تحتويها «رؤية السعودية 2030»، فهي شديدة التشعب والسعة، ولكن يمكن لأي متابع أن يكتشف التغييرات المذهلة التي جرت في السعودية في أعوام قليلة جداً؛ بحيث أصبحت أمجاد السعودية الجديدة في سنوات معدودة لا تعد ولا تحصى، وهي تتوالى في تأثيرها ونتائجها، وهي تتصف بالمرونة والشفافية والتعديل والإصلاح، كلما دعت الحاجة أو كبر الحلم.

فتشوا فقط عن ملفات مثل: تمكين المرأة، وتنويع الاقتصاد، والقوة السياسية والاقتصادية، وتطوير المجتمع، وقطاعات الصحة والتعليم والخدمات، وابحثوا في الأرقام والإحصائيات والمؤشرات الدولية، لتكتشفوا الفرق بين الأمس القريب واليوم.

شيء مهم حدث في خضم هذا العمل الدؤوب لرفع مكانة السعودية عالياً بين الدول والأمم والشعوب، وهو الارتفاع المشهود في وعي المواطن السعودي بدولته وقادته وإمكاناته، وهو ما جعل المواطن العادي يكتشف بسهولة حجم التآمر الإقليمي ضد السعودية، وطبيعة المشروعات المعادية، والكيد والمكر الذي يحاك ضدها وضد قوتها، وهو مكرٌ تدعمه بعض الجهات على المستوى الدولي لأغراض متعددة تختلف من جهة إلى أخرى.

لمس كل خصوم السعودية في المنطقة والعالم حجم الالتفاف الضخم من الشعب حول القيادة في مواقف متعددة في السنوات الأخيرة، ويمكن رصد ذلك في كل ملفٍ أو قضية يتم فيها استهداف السعودية دولياً أو إقليمياً، فقد بات الشعب يعلم أن المقصود ليس القيادة؛ بل الدولة برمتها، بشعبها ومواطنيها واستقرارها وتنميتها ومستقبلها، وهذا ما لا يسمح عاقل لنفسه بالسكوت عنه أو التهاون معه.

لقد تم وأد كل معيقات التنمية وبناء المستقبل في السعودية بقوة القوانين وحزم القيادة؛ سواء كانت معيقات أصولية أم اجتماعية أم غيرها، وذلك بوضع نقاط المنطق على حروف التاريخ، والتخلص كلياً من تبعات عقود من الركود لما كان قائماً، وإلغاء كل ما دفعت له توازنات معينة في حقب تاريخية سابقة، والبحث فقط عن الأمل والمستقبل.

لضخامة التحديات وسعة التطوير وشمول الإصلاح فقط، تفشى عند كثيرين أننا بإزاء دولة سعودية رابعة، ما حدا بصحافية لسؤال ولي العهد: هل نحن أمام دولة سعودية رابعة؟ فأجابها بكل صراحة: نحن امتداد للدولة السعودية الثالثة، وهكذا تكون لحظات تجديد الدول لنفسها أشبه ما تكون بلحظات تأسيس الدول؛ لأنها لا تقل أثراً ولا خطورة.

يحب السعوديون ملوكهم، ويحبون الملك المؤسس بشكل خاصٍ، لما يكنون له من فضل في توحيد البلاد وتأسيس الدولة وإرساء دعائم الأمن والأمان والرخاء، وهو طريق سار عليه المؤسس وأبناؤه البررة من بعده، وجاءت لحظة خادم الحرمين الشريفين، وهو أكثر أبناء المؤسس شبهاً بوالده، واختار لشعبه ولي العهد الأمير محمد ليكون ولي عهده، ورأوا في الأمير الشاب صفات جده المؤسس خَلقاً وخُلُقاً، شكلاً ومضموناً، حزماً وحكمة وقوة قرارٍ ورجاحة رأي.

ليس أقسى من قرار الحرب، وحين وجدت السعودية نفسها مضطرة إليه لم تتردد لحظة في اتخاذه، ودخلت الحرب في اليمن، لا لمواجهة ميليشيا الحوثي فحسب؛ بل لمواجهة المشروع الإيراني التخريبي في المنطقة برمتها، وكان قرار الحرب جزءاً من منظومة مواجهة هذا العدو الكاشح في كل البلدان العربية التي يحتلها أو يسعى لاحتلالها، ويبث فيها خلايا الإرهاب والتخريب والتجسس.

الأوطان ليست فرحاً وإنجازاً فحسب؛ بل هي ملاحم من التعب والإصرار، من الظفر والانكسار، من عزائم الرجال وقوة الأبطال، من الدماء والعرق وصولاً لتحقيق المنجز وفرض الهيبة وبسط السيادة، كل مواطن شريك، وكل فرد مسؤول، ومن هنا تأتي الفرحة بالوطن في كل لحظة ومع كل إنجاز، وهو ما يُتوِّجه العيد الوطني كل عام.

أخيراً، يعاني عديد من الدول العربية من الفوضى، واستقرارها بدعم خارجي لا تعنيه مصلحة تلك الدول ولا مواطنيها، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وما يجري في ليبيا وتونس، وهو ما يُظهر للجميع أهمية السعودية كصمام أمان لكل الدول العربية وشعوبها، حتى تلك التي لا تُكِن للسعودية المودة، ولكن قدر الكبير أن يبقى كبيراً. وكل عامٍ وأنتم بخير.

المصدر: الشرق الأوسط