سلمان الدوسري
سلمان الدوسري
رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط

الغيث والعريفي.. لا حصانة لأحد

آراء

بعيداً عن تهديد الشيخ عيسى الغيث عضو مجلس الشورى، بمقاضاة الشيخ محمد العريفي، بشأن إعادته تغريدة على موقع ”تويتر” رأى فيها انتقاصاً له، باعتبار أن القضاء وحده الذي يفصل في مثل هذه الاتهامات، فلا يملك أي متابع للشأن السعودي إلا الترحيب بخطوة الغيث، وأي خطوات أخرى مشابهة، التي ستفضي في النهاية لإيقاف العبث الذي أضحى هاجساً يطعن في مصداقية وسائل التواصل الاجتماعي، ليس لسوئها، بل لسوء استخدامها.

ولأن القانون فوق الجميع، أو هكذا يُفترض، فلم تكن هذه الفوضى التي تجتاح ”تويتر” قد بلغت أوجها في دول أخرى استفادت بصورة مثالية من مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لا يزال القانون مغيباً في ”تويتر” السعودي، لا لقصور في التنظيمات والتشريعات، ولا استمتاعاً بحجم الشتائم والتعريض والقذف الذي نشاهده بشكل يومي وبأسماء صريحة، إنما لغياب ثقافة اللجوء إلى القانون والقضاء، فغدا الفرد منا يتحمّل إساءات جمة دون أي خطوة قانونية تسهم في تنظيف هذا الغث المسمّى مجازاً تغريداً.

صحيح أن المستخدمين يتحملون مسؤولية صمتهم عمّا يتعرضون له من إساءات لها تبعات قانونية واضحة، إلا أن عدم التقدم خطوة من قِبل الجهات الرسمية في توعية المستخدمين بحقوقهم وواجباتهم أمر لا يمكن إغفاله، فلا يُعرف حتى هذه اللحظة عدد القضايا التي حُكم فيها، أو تلك التي رُفضت لعدم وجود دلائل وقرائن، لا أحد يعلم كم تستغرق إجراءات التقاضي زمنياً، وما الطريقة المثلى للتقدم بدعوى؟ كل هذه غائبة عن ثقافة مستخدمين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا خلاف أن غياب هذه الثقافة عود من حزمة في خلل ثقافة التوعية بالقانون بصورة عامة بين مؤسسات الدولة. أتذكر مسؤولاً كبيراً قال لي: هيبة القانون في مهب الريح إن لم يُطبق بحذافيره.

”موامبا .. لقد مات!” عبارة كتبها الطالب ليام ستايسي تعليقاً على سقوط لاعب كرة قدم خلال مباراة للدوري الإنجليزي لكرة القدم العام الماضي بعد توقف قلبه عن النبض، هذه العبارة كانت كفيلة بأن تصدر محكمة بريطانية حكماً بالسجن على الطالب ذي الواحد والعشرين عاماً 56 يوماً، بعد أن اعتبر القاضي هذه التغريدات ”خسيسة” و”بغيضة”، قبل أن يوجّه النائب العام البريطاني تحذيراً لمستخدمي ”تويتر” بأن الإنترنت ليست مساحة غير خاضعة للقانون، مشدداً ”من الخطأ أن تظن أنك تتمتع بالحصانة لأن هويتك غير معروفة”، في حين فرضت محكمة أخرى غرامة تصل إلى مليون دولار على الرئيس السابق لدوري الدرجة الأولى الهندي للكريكت بعد أن رفض القاضي اتهامات للاعب النيوزيلندي السابق كريس كيرنز بالتلاعب في نتيجة المباريات.

أكاد أجزم، لو صدر حكمان قضائيان أو ثلاثة ضد تجاوزات حدثت وتحدث، وتم الإعلان عنها، فإن هذا كفيل بردع آلاف المستخدمين الذين يعتقدون، جهلاً، أن التعريض بالآخرين وشتمهم وقذفهم هو نوع من حرية الرأي. يقول الشيخ الغيث إنه بمجرد رفعه للدعوى توقف 90 في المائة ممّن كانوا يشتمونه. بتفعيل لغة القانون، لا الشارع، نضمن أن لغة الحوار سترتقي، ولغة الشارع تختفي. لا يمكن أن تتوقع أن تكون الأخلاقيات المحرك الرئيس لتعاملات الآخرين، ربما هي كذلك لدى الأغلبية، غير أن قلة صوتها هو الأعلى، وهذه لا يمكن أن ترتقي إلا تحت طائلة القضاء ليصبح هو الحكم بين الجميع.

بعض التغريدات ترتقي فترتقي للوصول إليها، وأخرى تنحدر فلا تستطيع الانحناء للرد عليها.

المصدر: الإقتصادية