سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

القاز.. رجل دولة وتاجرٌ إنسان

آراء

دبي ودّعت جزءاً من ذاكرتها التاريخية المحفوظة في مسيرة رجل، فهي لم تودع شخصاً غيّبه الموت فقط، بل كان فقيدها محمد عبدالله القاز، رحمة الله عليه، رجل دولة وتاريخ وثقافة، لم يكن شخصاً عادياً، كما لم يكن مجرد تاجر يسعى لتعظيم أرباحه، ورجل أعمال منهمكاً في إدارة أعماله، بل كان إماراتياً أخلص لوطنه ومجتمعه، ورحل حاملاً سجلاً زاخراً في الريادة وأعمال الخير.

رجل دولة أسهم بشكل فاعل في تطوير مدينة دبي اقتصادياً وتجارياً، وأسهم بجانب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد في تأسيس أولى خطوات تحويل مدينة دبي إلى وجهة أعمال عالمية، وأسهم كذلك في قيام اتحاد دولة الإمارات، وشارك في مراحل إنشاء الدولة بشكلها الحديث، وكان هو الرجل «المستأمن» في مفاوضات «الاتحاد» بين المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد.

ذاكرة دبي لن تنسى محمد عبدالله القاز، فهو موجود مع الشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، في معظم خطواته وتحركاته، الداخلية والخارجية، كان معه في مصر بجانب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وكان معه في لقاءاته الثنائية والجماعية، وكان أكثر أصدقاء راشد بن سعيد قرباً منه، لذلك ذكراه ستبقى في زوايا كل أحداثٍ كبيرة وصغيرة مرت بها دبي والإمارات.

هو كبير التجار أيضاً، أو «شاهبندر» تجّار دبي، حيث كان، رحمه الله، مرجعاً للتجار، وهو الحكم بينهم إن اختلفوا، كلمته تفصل بينهم، ونصيحته تترجم دائماً إلى فعل ناجح منهم.

بسببه عرفت المدينةَ كثيرٌ من العلامات التجارية، وكثيرٌ من المنتجات والبضائع، وتخرج على يديه كثير من كبار التجار ورجال الأعمال الحاليين، حيث لم يكن يوماً أنانياً أو طامعاً في تعظيم ثروة، ومن أجل ذلك ساعد كثيرين في الحصول على وكالات تجارية معروفة، وأخذ بأيديهم لعقد صفقات تجارية ضخمة ومربحة، فاسمه كان كفيلاً بفتح أبواب التجارة والخير لبقية التجار.

ومع ذلك لم تشغله تجارةٌ أو بيعٌ عن أعمال الخير والاقتراب من الفقراء، فهو أحد مؤسسي جمعية بيت الخير الأهلية في عام 1989، ومن خلالها قدّم الكثير من المساعدات إلى كل من يحتاج إليها، داخل الدولة وخارجها، وأعان الأسر المتعففة، ونفّذ مع بقية أعضاء الجمعية الكثير من المشروعات والبرامج الخيرية التي تصبّ في خدمة الفقراء والأرامل والمطلقات. هو أحد رموز العطاء الإماراتيين، عُرف عنه شغفه بمساعدة المحتاجين، ومد يد العون إلى من يحتاج إليها.

كما لم تشغله التجارة عن الثقافة والمعرفة، فهما أهم مكونات شخصيته، وكان أشبه بمدرسة ثقافية، يُناقش أفكار العلم والمعرفة مع رواد مجلسه في دبي، يتبادل معهم خلاصة التجارب، يؤيد أحياناً، ويختلف معهم أحياناً، لكن اختلافه كان بروح مرحة، وبنبرة لا يجد فيها محاوره مخرجاً عن الابتسامة وتقبّل الفكرة.

رحل محمد عبدالله القاز جسداً، لكنه ترك بصمات لن ينساها تاريخ دولة الإمارات، ولن ينساها أهل دبي وتجارها، فقدناه إنساناً يحمل جميع معاني الإنسانية، شأنه شأن كثير من رموز الأمة العربية والإسلامية.

المصدر: الإمارات اليوم