المثقف المتسامح!

آراء

في العقدين الماضيين، شهد العالم، والعالم العربي تحديدًا، زخمًا هائلاً للدراسات والمحاضرات والبحوث العلمية، التي تتساءل حول تراجع دور المثقف في العصر الحديث، وحول معنى المثقف أو من هو المثقف؟

اليوم وفي ظل هذه النقلة الرهيبة للمعرفة، من المكتبات والجامعات إلى زمن الانفجار المعلوماتي الذي جعل أي معلومة يمكن الوصول إليها عبر ضغطة زر، يواجه المثقف تحديًا جديدًا ألا وهو الاقتناع بأنه لم يعد وحيدًا، والتسليم بأن المعرفة لم تعد عليها سلطة من قبل المثقف أو غيره، ومن ثم العمل على ترميم شخصيته التي أصبحت مثار تندر وسخرية في المجتمع، ومثال على الشخصية المنعزلة التي تعيش في زمن آخر وتظن أنها عارفة بكل شيء!

إن حالة الانفصال المزاجي التي يعيشها المثقف مع أدوات العصر ليست سوى شاهد على أن مفهوم المثقف لم يعد واضحًا أو صريحًا.. فكيف لمثقف أن يكون مؤثرًا أو أن يكون لديه خطاب يحمل أفكاره الخلاقة، وهو لم يخرج عن الطرق التقليدية للنشر عبر الكتب أو الصحف التي تتهاوى يومًا بعد يوم.

المثقف يجب أن يتجاوز الداعشي في الذكاء الاجتماعي على مواقع التواصل إن أراد أن يهزم الإرهاب في ميدان الصراع الفكري المنتمي لهذا العصر، وعلى المثقف أن يتصدر المستخدمين الأشهر للأدوات المعرفية والإعلامية الحديثة، كمًا وكيفًا، ليكون له حضور وتكون رسالته قادرة على التأثير.

كل هذه الأفكار والتأملات دارت في ذهني ودونت -بعضها- على ورقة وأنا ذاهبة في طريقي إلى لقاء السيدة هدى الخميس في أبو ظبي يوم الثلاثاء الماضي، حيث دعتني ومجموعة من الزميلات والزملاء لمناقشة دور المثقف في نشر ثقافة التسامح، لأنها امرأة مسكونة بالتسامح والهم الثقافي والإِنساني.

إن التسامح وتعزيز القيم الإنسانية العليا في المجتمع، مهمة كبرى لا يمكن لمثقف يفقد لغة التواصل مع مجتمعه الذي يشكله في الأغلبية العظمى شباب دون الـ25 أن يتصدى لها أو يكون قادرًا على فعل شيء حيالها، ثم يأتي الحديث عن دور المثقف، الذي لم يعد يعيش وحيدًا غريبًا في مجتمعه المتغير بسرعة رهيبة نحو مزيد من الوعي والتنوير، والاحتكاك بالعالم المتقدم، والخبرة والدراية.

إن العمل المؤسساتي هو الحل الوحيد أمام المثقف والمؤسسة الثقافية في بلداننا لمشكلاتنا الأخلاقية المتعلقة بالتسامح ونزعة السلام والخير ووأد الكراهية في مهدها. فعبر المؤسسات، وإجادة أدوات العصر الحديث، ومواكبتها، يمكن للمثقف أن يكون فاعلاً حقيقيًا في مجتمعه، وباعثًا لكل رسائل الخير والمحبة والسلام، التي هي رسالة الإنسانية منذ البدء إلى الأبد.

المصدر: الجزيرة