المجرم (النموذجي)

آراء

كتبت إلى الآن عدة مقالات عن السجون، إما بشكل رئيسي أو عرضي – أبعدنا الله عنها. ولا أدري ما هي الحكاية؛ هل القط – مثلما يقولون – يبحث عن خنّاقه؟! لا أعتقد ذلك لأنني أولاً لست بـ«هر»، ثم إنني أكره ما أكره أن يخنقني أو يحبسني أحد، حتى لو في جنات نعيم الدنيا. إذن، للمرة الثانية: ما هي الحكاية؟! إنني لا أدري، ولكن (شمس تطلع.. خبر يبان) – اللهم اجعله خيراً.

المهم، تعتزم البرازيل تقديم طريقة جديدة لنزلاء سجونها الاتحادية المكتظة من أجل تخفيف مدة عقوبتهم، من خلال خصم أربعة أيام من مدة العقوبة مقابل كل كتاب يطالعونه.

وستتاح لهم قراءة ما يصل إلى 12 عملاً في الآداب والعلوم والفلسفة والكلاسيكيات لخفض مدة أقصاها 48 يوماً من مدة عقوبتهم كل عام.

ولقيت هذه الفكرة إقبالاً من المساجين، على أساس أنها فرصة لا تعوض، غير أن أحد المساجين العتاة، وعمره في حدود الخمسين، رفض نهائياً أن ينخرط مع الآخرين بالقراءة، وكلما أحضروا له كتاباً قذف به أو مزقه بيديه وأسنانه، وحجته التي حكاها هي أنه أولاً يكره القراءة، لهذا لم يكمل دراسته، ثم أنه قد بقي له من محكوميته لكي يخرج من السجن 30 عاماً، ولو أنه قرأ كل سنه 12 كتاباً، فمعنى ذلك أنه سوف يقرأ طوال فترة محكوميته (360) كتاباً، وهذا بالنسبة له عذاب ما بعده عذاب. وفي النهاية، لن يعفيه إلا من أربعة أعوام، لهذا رفض القراءة بكل إباء وشمم، مكتفياً بعذاب السجن دون عذاب القراءة.

في الواقع، لقد كبر ذلك الرجل في عيني، وإنني أعتبره فعلاً المجرم (النموذجي) بحق وحقيق.

ولا أستبعد أن البرازيل سمعت عن التجربة السعودية، وأعجبت بها، وأرادت أن تقلدها على طريقتها الخاصة، ولكن شتان ما بين التجربتين، لأنهم في السعودية يحثون المساجين على حفظ كتاب الله الكريم، والتدبّر به، وكل من استطاع ختمه حفظاً يعفى من (نصف محكوميته).

وما دمنا – ولا نزال – أمام القضبان، لا خلفها، ففي هولندا، أغلقوا إلى الآن 19 سجناً، وهم في طريقهم إلى إغلاق 5 أخرى، لأن عدد السجانين يفوق عدد المساجين بسبب مستوى الأمن في البلاد، ولكي لا يفقد أكثر من 700 سجان وظائفهم، استوردت هولندا حتى الآن 200 مسجون من النرويج – محفولين مكفولين، على الرحب والسعة.

المصدر: الشرق الأوسط