المدير «الناقص»

آراء

تطرق بعض المغردين على «تويتر» أخيراً إلى استفحال ظاهرة المقابلات الشكلية لطالبي الوظيفة، بسبب الاختيار المسبق لشاغل الوظيفة، الأمر الذي أدى بالعديد من المتقدمين للوظائف أو الباحثين عنها إلى الوصول لمرحلة الإحباط وبناء قناعة بأن أي وظيفة يتقدمون لها تم مسبقاً اختيار من سيتم تعيينه، وهو الأمر الذي يعكس عودة نقيض الإدارة والقيادة النموذجية في تعامل البعض مع توليهم لمنصب ما.

وأقتبس هنا مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بأن «أزمة وطننا العربي أزمة إدارة وقيادة»، حيث بدأ بعض الأشخاص بإعادة نمط سيئ معاكس ونقيض للمدارس والأساليب الإدارية الناجحة التي تقدر الشباب، فعكس البعض الآية.

وبدلاً من محبة الناس واستغلال المنصب واستخدامه لخدمة وسعادة البشر، انعكست الآية وانشغلوا بعشق المنصب واستغلال الناس. والبعض يطلب من المتقدم للوظيفة أن يتوجه إلى ريادة الأعمال بدلاً من الوظيفة، بينما القائل والداعي موظف طوال عمره.

وقد يتجاسر (قلة) في السخرية على المتقدم للوظيفة أثناء المقابلة، لكننا على ثقة بأنه سيظهر من سيحاسب هذا «المدير الناقص» ويعاقبه، وهو ما قرأنا عنه أخيراً في تغريدة انتشرت ورد عليها أحد أصحاب المعالي.

فهذا السلوك مخالف لنهج القيادات الناجحة التي تقدم خلاصة خبرتها، وتعزز جهودهم نمو مؤسساتهم، وتسهم في بناء قيادات الصف الثاني والثالث وحتى الرابع، مع مسار تطور وظيفي واضح وشفاف.

إن ما تواجهه الدول من تحديات يعد نموذجاً تراكمياً لما تواجهه المؤسسات على نطاق أضيق، وهذا ما تعالجه قيادتنا الرشيدة استباقياً في جهودها الكثيفة في بناء القيادات الوطنية، لتدعم وتبني وتوجه وتعلم وترشد أعضاء المؤسسات وأفراد المجتمع.

لكن أحياناً قد تبتلى بعض الجهات بنماذج غريبة، تستحق أن تُدرّس سلوكياتها وأساليبها الإدارية كنموذج على ما لا يجب فعله. ورغم أننا وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين، نشهد نماذج «الشللية»، وتهميش الكفاءات، وترصد أخطائهم، لا لشيء إلا لأنهم أبدوا اعتراضهم أو تحفظاتهم على تجاوزات إدارية وأحياناً قانونية، لا يقبل بها عاقل. ونصطدم بسلوك أكثر سلبية مثل ترقية غير المستحقين أو محدودي الكفاءة، لا لشيء إلا لضمان الولاء لهم وتأكد انعدام البديل والتستر على أخطائهم وتجاوزاتهم.

إن هذا النموذج من الإداريين أنشئت جهات وأجهزة حكومية خاصة بضبطهم ومحاسبتهم، فهم كالمرض الخبيث، ما إن يستقر في جهة ما حتى يدمر الموهوبين بها ويستهدف الكفاءات، ويعطل التوطين واستقطاب الكفاءات، لتتحول بيئة العمل من بيئة إيجابية تعزز التطوير وتسعى للتميز، إلى بيئة طاردة.

وكما قالت العرب قديماً: «آخر الدواء الكي»، فإن هذه الفئة على ندرتها، إلا أنه يجب أن يتم استئصالها وجعلها عبرة لغيرها.

إن تحديات البطالة أمر واقع يواجه دول العالم كافة، ودولة الإمارات إحدى الدول المزدهرة التي وضعت قيادتها الخطط المناسبة لمواجهة هذا النوع من التحديات، وهو الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود بين وزارة التوطين والموارد البشرية والجهات المحلية المعنية، بالإضافة إلى الجهات المتميزة بإدارة الملفات الخاصة بإدارة المهارات والكفاءات، «مثل الهيئة الاتحادية للموارد البشرية»، وكذلك الجامعات والمعاهد العليا التي تطور برامج التدريب والتعليم، بل وربما حتى دوائر التنمية الاقتصادية المعنية في الترخيص التجاري، والتي نتمنى أن تبدأ بدراسة ربط مستهدفات التوطين برسوم الرخص تصاعدياً للأنشطة المصرفية والتجارية والصناعية الضخمة التي تحقق عوائد وربحية تتجاوز التسعة أصفار.

كما يجب أن يتم التحقق من توطين وظائف معينة يتم الاتفاق عليها مع المستثمرين والقائمين على إدارة مثل هذه الشركات والمصانع كالوظائف الأمنية سواء التقنية منها أو الميدانية، ولدينا من الكفاءات الشابة أو الكفاءات الخبيرة ما يسد حاجة النمو المتزايد. كذلك نتمنى بدء رصد مؤشرات الشركات شبه الحكومية والحكومية ذات الصلة بالتوطين، فقديماً كنا نسعد ونفرح بما نقرأه عن جوائز مثل ما كانت شركة أدنوك للتوزيع تنظمه سنوياً لتكريم الإدارة الأكثر توطيناً، فهذه المبادرات الوطنية الإيجابية تستحق التقدير والإشادة ونقلها إلزامياً للتطبيق في بقية الجهات.

المصدر: الامارات اليوم