«المغرب في أبوظبي» تروي حكاية حضارة تنطق بالجمال

أخبار

تمتلك المملكة المغربية صفحات مضيئة من الموروث الحافل بالكنوز التاريخية، التي يكشف عنها المتحف التراثي، الذي يقام ضمن فعالية «المغرب في أبوظبي»، التي تستمر أنشطتها حتى 19 الجاري، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، بإشراف وتنظيم وزارة شؤون الرئاسة، في إطار تعزيز ودعم العلاقات التاريخية والأخوية، التي تجمع دولة الإمارات والمملكة المغربية في كل المجالات.

أرقام

يضم المتحف ما يقرب من 300 قطعة أثرية من مختلف المجالات والأزمنة والحضارات التي تمثل المغرب وثراءه، أقدم هذه القطع يعود إلى أكثر من 3800 سنة قبل الميلاد، وأكثر من 20 تحفة أثرية مهمة في القطاع الوطني على صعيد المغرب.

رحلة تاريخية

يمثل المتحف رحلة شيقة عبر تاريخ المغرب العربي، للتعريف بالموروث الثقافي والتراثي المغربي، وعلى مختلف نواحي وتفاصيل الحياة القديمة لأهل المغرب، وكذلك التقاليد المتوارثة، التي مازالت تنبض بالحياة، وتتناقلها الأجيال عاماً بعد آخر للحفاظ عليها، ولتبقى شاهداً على حضارة عريقة.

الإدريسي: الإمارات عاصمة لدعم الثقافة والسلام

قال مسؤول المتحف بفعالية «المغرب في أبوظبي»، عبدالعزيز الإدريسي، إن «الإمارات باتت وجهة عالمية تتلاقى فيها حضارات الشرق والغرب، وعاصمة لدعم الثقافة والفنون بهدف تعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة»، مشيراً إلى أن فعالية «المغرب في أبوظبي» حظيت بنجاح كبير، خلال الدورتين السابقتين، ولاقَتْ أصداءً واسعةً لدى سكان الإمارات وزوارها، أما المتحف التراثي المغربي فاستقبل آلاف الزوار من الإماراتيين والمقيمين في الدولة، الذين عبّروا عن إعجابهم الكبير بالتراث المغربي، وسعادتهم بالتعرف إلى ثقافة وتاريخ المغرب عن قُرب.

وأضاف الإدريسي أن «الإقبال الكبير، الذي يحظى به المتحف هذا العام، يؤكد الثقافة العالية والحس الفني اللذين يتمتع بهما سكان أبوظبي والإمارات، إذ ألاحظ بشكل يومي الاهتمام الكبير للزوار بالمعروضات والتحف والقطع الأثرية، خصوصاً المجموعة النادرة من التحف والآثار التي ننقلها للمرة الأولى إلى خارج المغرب، والمعروضات التراثية التي تعرف بتاريخ المغرب العريق، وبالحضارات التي تعاقبت على أرضه المعطاءة، خلال قرون».

270

قطعة أثرية، ومجموعة حصرية، من المخطوطات والمسكوكات النقدية في «المتحف».

«المغرب بين الأمس واليوم.. جذور وآفاق»، هو عنوان المتحف الذي لا يكتفي بعرض مجموعة من التحف والقطع الأثرية، لكنه يروي قصة تاريخ ضارب في الزمن، وحياة غنية بالتفاصيل التي تنطق بالجمال، وصولاً إلى حاضر لا يقل إبداعاً. وينقسم المتحف إلى خمسة أقسام، هي: «ما قبل التاريخ»، و«ما قبل الإسلام»، و«الفترة الإسلامية»، و«فن العيش»، و«الفنون الحديثة»، وتتكامل جميعها لتأخذ الزائر في رحلة شيقة عبر حضارة المغرب، من خلال 270 قطعة أثرية، ومجموعة حصرية من المخطوطات والمسكوكات النقدية، وتمثال رأسي للملك جوبا الثاني.

منذ القِدَم

يضم قسم ما قبل التاريخ مجموعة من اللقى الأثرية، التي تمثل أدوات تعود للعصر الحجري، كان يستخدمها الإنسان القديم في حياته اليومية؛ مثل الأواني وأدوات الزينة والأدوات المختلفة إلى جانب أحجار منقوشة، وتبرز هذه القطع أن الإنسان في ذاك الوقت المبكر لم يكتفِ بصناعة أدوات لتسهيل الحياة فقط، لكنه حرص على إضفاء قيمة جمالية عليها، وهو ما يظهر من خلال النقوش الجميلة التي تحملها القطع المعروضة، التي تتنوع بين أشكال تمثيلية مطابقة للطبيعة وأشكال هندسية بسيطة، وبشكل عام يعد تصوير الحيوانات والأشكال الآدمية وأدوات الصيد هو الأكثر شيوعاً في اللوحات الحجرية والجداريات التي تم العثور عليها، وتنتمي إلى تلك الحقبة الزمنية.

كما يتوسط هذا القسم في المتحف مجسم لموقع «مزورة»، الذي يعد من أشهر المعالم الميغاليثية في شمال إفريقيا، بين مدينتي العرائش وطنجة، ويتكون من 176 مسلة، وأعمدة يراوح متوسط ارتفاعها بين متر ونصف إلى 5.34 أمتار. ويرجح أنه موقع جنائزي حيث يتوسطه قبر، بينما يرى بعض الباحثين أن وظيفته كانت دينية.

جماليات بارزة

يكشف قسم «ما قبل الإسلام» عن الحضارات المختلفة التي قامت على أرض المغرب بفضل موقعها المميز، منها الحضارة الرومانية التي شهدت تفوقاً كبيراً في فنون العمارة والنحت والخزف والنقش والفسيفساء، واتسمت فنونها بطابعها الرياضي الذي يخاطب العقل؛ وفي الوقت نفسه يرتبط بالإنسان والحياة. وتعكس القطع المعروضة في هذا القسم جماليات بارزة أضفتها عليها الزخرفة الرومانية. ومن أبرز ما يضمه هذا القسم تمثال رأسي لجوبا الثاني، الذي أسره يوليوس قيصر في إحدى المعارك، وحمله إلى روما حيث نشأ في قصر الإمبراطور أوغسطين، وعين في سنة 25 قبل الميلاد ملكاً لموريتانيا حتى توفي سنة 23 ميلادية. وتزوج من كليوباترا سليني، ابنة كليوباترا ملكة مصر.

فن إسلامي

بينما يعكس قسم «الفترة الإسلامية» من المتحف أبرز ملامح الفنون والعمارة والزخارف الإسلامية، إذ استلهم الفن الإسلامي جوانب من الحضارات المجاورة، واستفاد منها في صياغة طابعه الخاص، موظفاً الأشكال الهندسية والزخارف النباتية ودمجها بالخط العربي لخلق لغة رمزية تجريدية تعتمد ثيمة المتجاور والمتكرر والمتماثل؛ وهو ما يبرز في المخطوطات العديدة التي يضمها القسم، وتتضمن نسخاً من القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي والسيرة النبوية، إلى جانب مؤلفات من التراث العربي كتبت على الجلود والرقوق والروق بالنسخ والكوفي، وتضمنت هوامش ورسومات توضيحية.

كما يعرض القسم مجموعة من النقود الإسلامية، التي تعد مورداً مهماً من موارد دراسة التاريخ الإسلامي، وتقدم معلومات عن الأسر الحاكمة وتواريخها وامتداد حكمها. أيضاً يعرف هذا القسم بفن «الزليج» الذي يقوم على استخدام مواد أولية بسيطة مثل الطين والصلصال وتحويلها إلى أشكال تعبيرية فنية، من خلال فنون التقطيع والنقش بخصوصية واضحة، وتتنوع زخارفه بين التنميق الهندسي والنباتي والخط، وفقاً لقواعد تركيبية معينة، لتمنح بتعدد الألوان والأشكال لوحات فنية، تغطي الدراج والأرصفة والأرضيات والجدران.

فن العيش

يحفل قسم «فن العيش» بصور مختلفة من الإبداع والجمال، تجسدها العديد من القطع التي كانت تستخدم في الحياة اليومية؛ مثل المجوهرات وحوامل القرآن الكريم والأواني والأسلحة من سيوف وخناجر وغيرها، وهي قطع تجاوزت وظيفتها في الحياة اليومية، وبرع الحرفيون في إضفاء قيمة جمالية عالية عليها، خلال صنعها وتشكيلها وزخرفتها بزخارف متميزة.

ويبرز القسم صناعات اشتهر بها المغرب مثل الأواني الفخارية، إذ يزخر المغرب بأراضٍ طينية خصبة تنتج الطين الأصفر والأبيض والأحمر، الذي يتميز بقابليته للتشكيل والتماسك والصلابة، وتعد مدن مراكش وتطوان وفاس وأسفين وسلا ومكناس أهم مراكز الصناعة الخزفية. كذلك فن النقش على الخشب الذي اشتهرت به العديد من المدن المغربية، وشكل منه الحرفيون قطعاً متعددة مثل الأبواب والنوافذ والصناديق والأسقف ذات الزخارف الجميلة.

كما يقدم قسم «فن العيش» كذلك مجموعة كبيرة من الحلي، التي توضح للزائر صورة كاملة عن هذا الجانب، إذ تنقسم الحلي إلى حضرية وتصنع من الذهب والأحجار الكريمة، والقروية وتصنع من الفضة. ولا يقتصر القسم على عرض حلي النساء التي تتنوع بين حلي الرأس والرقبة واليدين والخلاخيل وتختلف باختلاف الأقاليم في المغرب، لكنه يعرض أيضاً حلي الرجال؛ مثل الخواتم والسبح والخناجر والسيوف، وأوعية البارود، وغيرها.

كذلك كان لصناعة النسيج حضورها في هذا القسم، وتعرف باسم «الزريبة المغربية»، وتتباين بتنوع الأقاليم المغربية، وتحمل في طياتها دلالات تاريخية ورمزية وجمالية وأسطورية مختلفة، إضافة إلى قيمتها الوظيفية.

ويلقي القسم الأخير من المتحف بالضوء على الفن الحديث في المغرب منذ بداية القرن الـ20، إذ تأثر الجيل الأول من الفنانين المغاربة بالمستشرقين، وقدموا أعمالاً تصور الحياة اليومية، ومع مرور الوقت ظهرت مدارس فنية متعددة، خصوصاً بعد تأسيس أول مدرسة فنية بالمغرب في تطوان سنة 1945.

المصدر: الإمارات اليوم