المغرب يشرق في القلوب

آراء

مساء الثلاثاء الماضي، كان مساءً مغربياً بامتياز.

في ذلك المساء تسمر الرجال والنساء، الصغار والكبار، أمام شاشات التلفزيون في انتظار إشراقة شمس عربية جديدة، تغسل وجه الكآبة العربية التي تربعت منذ عقود على وجدان عربي لم يعرف معنى الظفر، ولم يذق طعم النصر، في مجالات مختلفة.

الرياضة بما لها من سحر، استطاعت أن تزهر في صدور الملايين من بني قحطان وعدنان، وتمكنت من حصد نجاح بأقدام «أبناء الأطلس»، والذين أكدوا أن العزيمة عندما تزهر في القلوب تكون شجرتها عملاقة تواقة لإفشاء الظل على وجدان عربي كم تصهد، وكم تبدد، وكم تكبد من المعاناة وهو يرى الآخرين يقطفون ثمار النجاحات، والإنسان العربي يختبئ خلف انكساراته.

إنها الرياضة، وهي ملعب الفن، والشحن، هي كرة الثلج، إن مالت مع الإرادة، صارت ندفاً باردة تملأ الأفئدة برونق البياض في السريرة، والنصوع في الطموحات.

يوم الثلاثاء كان يوماً عربياً بلا ريب، كان شوقاً إلى حلم يعيد التوازن للذين اشتاقوا إلى أحلام كم شقت قميص الوجد من دبر، وها هي اليوم، تبدي تطلعاً مغربياً عربياً، يضاء بمصابيح أحلام أزهى من شروق الشمس، وأبهى من وجه اللجين، الثلاثاء كان يوماً مباركاً على الأمة، كان مساء يفتح صفحات جديدة لتاريخ ربما توارى، ولكنه لم ينسَ واجبه في حل واجبات الدروس العربية، كان في ذلك الثلاثاء، التاريخ يعكف على رسم صورة الأقدام التي تعانق كرة القدم بحنان ومن دون وجل أو كلل، ولم تخف القلوب التي كانت تخفق في الصدور مدى عنايتها بمشاعر الذين صبروا ورابطوا في ذلك المساء، في انتظار لحظة النهاية، وإطلاق صافرة لها ترنيمة مغربية خاصة، هي صافرة أنهت تعب أكثر من ساعتين، وجاءت بالبشارة بأن منتخبنا المغربي قهر العتاة، وسدد رصاصة الرحمة في ضمير المنتخبات التي جاءت لتظفر لا لكي تخسر، ولكن هذا المنتخب الصنديد، أبى إلا أن يغير المفاهيم، ويعكر صفو الواثقين لتصبح النتيجة معاكسة لتلك الثقة الوهمية، ويصبح «أسود الأطلس»، هم من قطفوا ثمار الابتسامة العريضة، وحققوا حلماً عربياً طال انتظاره.

ليست هذه مجرد رياضة، بل هي صراع إرادات، وما حدث في ذلك الثلاثاء، كان وليد إرادة مغربية عربية، صمدت فدحضت أوهام الذين ظنوا أنهم أسياد هذه اللعبة، والذين جاؤوا لكي يبسطوا سطوتهم على الآخرين، ويعودوا بالنصر المبين، ولكن.. ولكن أبناء المغرب بجرأة الشجعان قالوا لا، اليوم يومنا، والتاريخ ليس خطاً هندسياً مستقيماً، بل هو دائرة شمسية تبيح للإرادات الصارمة إضاءة أفنيتها، وتعطي كل ذي حق حقه، ومن يبذل ينل، ولا قواعد للتاريخ سوى قاعدة إن أعطيت تأخذ، وهذا الدرس المغربي العربي، هو نموذج ومثال قدمه هؤلاء الأبطال لكل عربي يود أن يكون في مقدمة الصفوف، وفي مختلف المجالات، ولا عنصرية في الحياة سوى عنصر التضحية من أجل النجاح، وكم هو لذيذ هذا النجاح، ولا غرابة أن نفرح ولو بركلة جزاء تهز شباك الآخر، إنها النفس البشرية تحتاج إلى الفرح، سواء في الرياضة أو في غيرها. المهم في الأمر، ألا نكون في ذيل الطابور الصباحي، المهم ألا نكون متأخرين عن الدرس.

هذا هو ما نتمناه لكل منتخباتنا العربية، وهذا ما نتوخاه من عزائم أبنائنا من المحيط حتى الخليج العربي، وهذا ما تصبو إليه النفس، ويشتاق إليه القلب.

ما فعله إخوتنا في المغرب هو أنهم أحبوا هذه الحرفة، فأتقنوها، وأجادوا في التصويب، وجودوا في المحاورة، فإذا أحب المرء عملاً، أكمله، وإذا أكمله حقق ما تبتغيه النفس.

فشكراً لأعزائنا أبناء ابن رشد العظيم، شكراً لهم لأنهم أفرحونا، كما أفرحوا فيلسوفهم، وفقيه دنياهم، شكراً لهم ولهذا العزف على أوتار المستطيل الأخضر.

شكراً لكل العرب الذين ساندوا، وتضامنوا مع إخوة لهم، وأشقاء من لحم ودم.

المصدر: الاتحاد