عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

النسيان

آراء

النسيان قد يكون نعمة أو نقمة، فأنت تلتقي بشخص في اجتماع أو في مركز تجاري لأول مرة وقد تنسى اسمه بعد فترة، وقد تتذكر وجهه أو تتذكر اسمه وشكله ولكن لا تتذكر أين التقيت به. هذه مشكلة أو تجربة كونية تحدث لأي إنسان في أي مكان في العالم.

حتى أولئك الذين يتفاخرون بذاكرة فوتوغرافية أو حديدية يتعرضون لنوبات نسيان بين فترة وأخرى. ومعظمنا يلوم تقدم السن رغم أن آباءنا وأمهاتنا يذكرون لنا قصصاً بتفاصيل دقيقة لا تشير إلى تدهور ذاكرتهم بسبب التقدم في السن.

هل الروتين اليومي الذي لا يتغير أبداً جيد للذاكرة أم حياة المغامرات والتجديد هي الأفضل لعلاج النسيان أو لتقوية الذاكرة؟

يقول علماء الذاكرة إن حياة التجديد أفضل لأنها تمرن الذاكرة على استقراء وتفحص التفاصيل. حياة التجديد مليئة بالصخب والاهتزازات والصعود والهبوط، وبالتالي فإن نسيان التفاصيل هنا أفضل طريقة لتأقلم الذاكرة.

تظن الناس، مثلاً، أن لو لديها ذاكرة فوتوغرافية فإنها ستتذكر كل الوجوه التي تمر عليها، لكن دراسات الذاكرة أثبتت أن هؤلاء الذين يتمتعون بذاكرة قوية لا يميزون بين وجه معين في إضاءة عادية والوجه نفسه في إضاءة خافتة.

ويخطئون الوجه الذي يحفظونه لو لبس الشخص نظارة أو أطلق شارباً ولحية؛ أي تغيرت معالمه. تتعثر الذاكرة كثيراً في تفاصيل الاختلاف إلى درجة نسيان شكل الوجه الذي تظن أنها حفظته. حسب علماء الذاكرة فإن هذا النوع من النسيان مفيد لأنه «يقوي الذاكرة ببعض النسيان»، حسب تعبيرهم.

في الحقيقة الأشخاص المبدعون لا يتمتعون بذاكرة قوية، فالإبداع كفكرة عامة هو الإتيان بشيء جديد من أفكار معروفة. وهنا روابط الذاكرة بالأفكار المعروفة عند المبدع يجب ألا تكون قوية حتى يتكون الإبداع.

هفوات الذاكرة مفيدة جداً للحياة الاجتماعية، فبينما يعمل الباحثون على تطوير دواء يقي من النسيان فإن خبراء العلاقات الزوجية مثلاً يناشدون الباحثين لاختراع دواء للنسيان. هؤلاء يقولون إن الأشخاص الذين يمرون بأزمات زوجية أو عاطفية يعانون من الذاكرة التي تشكل تحديات للعلاقة الزوجية على المدى البعيد.

الامتعاض والانتقام يحدثان بسبب عدم القدرة على النسيان، والناس الذين يغرقون في دوامة غضب أو خوف يعانون وحدة شديدة وفي حالات متطرفة يقدمون على الانتحار.

من أفضل الطرق لإخراج عقلك من نوبات الذكريات الأليمة هو تكوين علاقات اجتماعية تفاعلية والبقاء فيها. نوبات الذكريات الأليمة تحدث مثلاً بسبب اضطراب ما بعد الصدمة، وهو مرض نفسي تسببه الذاكرة ويعزل المصابون به أنفسهم، وهذا يفتح عليهم باب علاج أنفسهم بالخمر أو المخدرات لحجب ذكرياتهم الأليمة، وعندما تسيطر المسكرات أو المؤثرات على العقل فإن الإنسان قد يلجأ إلى العنف دون وعي منه.

موقف

لطالما ظننت أني أتمتع بذاكرة جيدة، وأتذكر أني تعرضت لضغوط شديدة قبل حفل زفافي بأيام، إلى درجة أنني نسيت الرقم السري لبطاقة حسابي! وهو رقم لم أنسه قط في 20 عاماً إلا في تلك المرة، وتلك أسوأ حادثة نسيان وقعت لي.

• حتى أولئك الذين يتفاخرون بذاكرة فوتوغرافية أو حديدية يتعرّضون لنوبات نسيان.

المصدر: الامارات اليوم