النصائح التهويلية

آراء

النصيحة من أعمدة السلوك الإنساني الطبيعي. كل توجيه وتصحيح معلومة ونشر وعي بين الناس هو نصيحة. تأخذ النصيحة هذه الأيام بعداً غير مسبوق. سوف تخرج من التدخل الفردي في حياة الناس، النصيحة الفردية شابها كثير من السلبيات. مع السوشل ميديا سوف يتمكن أصحاب المعرفة والتجربة من نشر نصائحهم على نطاق واسع.

لا يوجد شيء دون سلبيات، فكما عانت النصيحة الفردية من كثير من السلبيات سيظهر في النصيحة الجديدة سلبيات أيضاً. خرجت النصيحة من مجرد رأي إلى علم، عندما أرى صديقاً أو قريباً يسير في طريق خاطئ سأنصحه حسب تقييمي وتعريفي لكلمتي خطأ وصحيح باستثناء المواقف التي لا يختلف عليها عاقلان، أما مع نصائح اليوم فالأمر مختلف.

يزخر تويتر بحسابات كثيرة تنتهج مبدأ النصيحة بمعناها الواسع، ولأننا للتو خرجنا من عصر الصحوة فما زال كثير من المناصحين الجدد يقتفون أثر دعاة التهاويل.

ترعرعت النصيحة في عصر الصحوة على الحماس والتخويف والتهويل حتى تحولت عند بعضهم سلطة، كثير منا يتذكر النصيحة التي قدمها أحد الدعاة الشعبيين ليبعد الناس عن شرب الخمر، بمصاحبة الأصوات التصويرية الصحوية الحزينة تحدث الداعية بطريقة مسرحية وبصوت يشوبه بكاء وشيك عن قصة الشاب الذي شرب الخمر وزنى بوالدته والعياذ بالله، كان يكفيه أن يقول إن الخمرة حرام وإذا أراد أن يزيد يستطيع أن يشير إلى مضارها الصحية، كان صادقاً في نصيحته ولكنه كان شديد السذاجة، ذهب ضحية التنافس مع زملائه لكسب الشعبية، ضحى بالصدق والموضوعية فأضر عمله.

في عصر تويتر انتقل هذا التنافس التهويلي بين دعاة الميادين الأخرى، (الطبي والثقافي والسياسي والوطني)، انتقلت معهم الآلية التي برع فيها دعاة الصحوة.. (أشارت دراسة أجريت…) (ورد في صحيفة أميركية كبرى) إلخ. (في استبيان طرح على خمس مئة ألف امرأة فرنسية) إلخ.

قرأت في إحدى حسابات تويتر النصحائية أن رأس شيشة واحداً يعادل مئة سيجارة، لم أفهم مرمى الداعية الطبي من النصيحة، هل هو يريد من الناس ترك الشيشة أم تفضيل السيجارة؟ بعض الشباب يضرب في الليلة الواحدة ثلاثة روس شيشة. حسب إحصائية صاحبنا سيضرب متعاطي الشيشة كرزاً ونصف يومياً، يقول المثل: حدث العاقل بما يليق فإن صدق فلا عقل له.

ستفشل النصيحة عندما يشعر السامع أنك تستطفله، تتعامل معه كأخرق، تخوفه بالخوارق واللامعقول والإحصائيات الزائفة، تستمع الناس إلى نصائح التخويف والإرهاب إذا كانت مرغمة فقط، الدخان مضر بالقلب والشرايين ويسبب السرطان حقيقة علمية لا تحتاج إلى مبالغة وإرهاب وتضخيم وهذا يكفي لمن يريد أن يسمع.

المصدر: الرياض