النوايا الحسنة

آراء

البعض يعتقد أن النوايا الحسنة، سذاجة، أو ضعف، أو هوان. لذلك ذهب غاندي ضحية نواياه الحسنة، فاغتيل ظلماً وبهتاناً. لماذا؟ فقط لأنه أراد أن تكون الهند العظيمة ملكاً للهنود وليس للطائفيين، والمتقوقعين عند «الأنا» المتعجرفة.

قتل غاندي على يد أحد من طائفته الهندوس، فقط لأن غاندي تجاوز نفسه، ودخل في المحيط، واستطاع بوعيه أن يعبر بحيرة التزمت والتعنت، واختار الخروج من محارة التعصب الديني. وهو هكذا فعل كما قال ابن رشد، إن الأديان كلها صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها. ولم يكن روسو خارج هذه السماء الواسعة حين أكد أن الأفكار المسبقة مفسدة للعقل. وقد أبدى بروتاغوراس، وعياً بأهمية سعة الإدراك، حين قال: «إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة».

اليوم وبعد أن قطع العقل البشري ردحاً من الزمن، لم يزل البعض يغط في سبات العقل المستبد، والوعي الضحل، لأن الرثاثة تتشبث بالأنا، وتقبض على مرفق العقل إلى درجة أن إنسان اليوم «المتحضر»، يحمل في ثناياه، بقايا عصر الغاب، كما قال سيجموند فرويد.

عندما يستأنف الإنسان حياته بالانقباض، وتتحكم في تصرفاته ذات مستلبة، لا تستطيع التنفس إلا من دخان الأنانية، ولا يستطيع التحرك، ألا تحت سطوة أغلال الأنا المتأزمة.

في ظل هذا التسرب المستمر للأخلاق، يبقى الإنسان أسير سوء النية، ويبقى عداؤه مستمراً ضد كل ما هو مخالف للونه أو عرقه ودينه، ولا يستطيع التحرر من عبودية الأفكار المغلقة.

سوء النية مرتبط ارتباط المشيمة بالجنين، بأحلام ما قبل الوعي، مرتبط ببدائية العقل، وبجذر الشجرة التي تعلق بها الإنسان، يوم كان يعيش على الجمع والالتقاط.

اليوم لا يزال العقل يلتقط بقايا أزمنة غابرة، ولا يزال رغم التطور المادي يعيش على جمع والتقاط نفايات تاريخية بائسة، وعابسة، ويائسة. إنه الإنسان الأول الذي ارتدى البذلة والقبعة، ليخبئ تحت هذه القبعة، كل خفايا ذاك الزمن الفضي، وما جاش في العقل من أسباب الأنانية، والتحذلق، والتسلق، والتملق، والتدفق نحو السراب، كأنه الأمنيات الخائبة. وسوف تبقى النية الحسنة، مدار حوار داخلي، قد لا يفيق بعده الإنسان الأنوي من غطيط الأبدية الجاهمة، سرمدية التطلعات إلى ما يمكن تحقيقه من أهداف، لأن مثل ماء النهر، عندما تعترضها حصى الإحباط، تنحرف، ويتغير مسارها، وتتحول إلى سيول جارفة.

سوء النية وليد انكسارات في ضلوع الأمنيات، ونتيجة انهيارات أرضية، تصيب العقل المستبد.