محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

النوم والمزاج والسعادة

آراء

أهدرت سنوات طويلة من حياتي كنت أعامل فيها نفسي بقسوة بحرمانها من النوم الكافي بدعوى غرس روح الانضباط، عبر مواعيد الاستيقاظ الثابتة مهما كانت قلة ساعات النوم، حتى تبحرت في قراءة أبحاث عدة رصينة.

وشاهدت لقاءات مصورة، لم أعد أذكر عددها، لأبرز المهتمين في هذا المجال فوصلت إلى قناعة راسخة، من تلك الدراسات، إلى أن قلة النوم تقف وراء تعكر مزاجنا وتذبذب تركيزنا وشعورنا الخادع بالجوع.

آخر تلك الأبحاث ما قرأته أمس على صدر الصفحة الأولى للتايمز اللندنية حيث تبين «سر السعادة يكمن في نوم جيد»، ذلك أن الباحثين اكتشفوا أن هناك استعداداً كبيراً لدى المشاركين لتفضيل النوم المريح على زيادة في الدخل بمعدل 50 في المائة! وليس هذا فحسب بل إنهم مستعدون لاختيار التمتع بنوم جيد على قائمة بكل عناصر أسلوب الحياة lifestyle التي يمكنهم التحكم بها.

هذه النتيجة طبعاً كانت بعد استبعاد أي عناصر لا يمكن للمرء أن يتحكم بها مثل سلالته وجنسه وعمره وغيرها.

لم أستغرب هذه النتائج بصراحة بعد أن أدركت ماذا تصنع تلك السويعات التي يطلق عليها العلماء مرحلة النوم العميق أو «جودة النوم». فالبعض يظن أن الموضوع مرتبط فقط بإجمالي عدد الساعات وينسى أنه إذا ما اختلت مرحلة النوم العميق اختل معه مزاجه وشعوره لاحقاً.

فالإنسان عموماً يمر بأربع مراحل طوال مدة نومه. وتبدأ مرحلة النوم العميق، كما أخبرني خبير النوم السعودي الشهير د. أحمد باهمام، «في المرحلتين الثالثة والرابعة، وتبدأ عادة بعد 90 دقيقة من نوم الإنسان، وتعد هاتان المرحلتان مهمتين لاستعادة الجسم نشاطه، ونقصهما ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار».

وهذا ما يفسر سبب شعور بعض الموظفين بالنعاس أو الرغبة في النوم أثناء ساعات العمل.

ولذا ينصح د. باهمام الناس بـ«النوم في مكان هادئ ومريح يساعد على تجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى استيقاظهم ليلاً أو حصولهم على نوم خفيف متقطع».

وقد قرأت تقارير عدة، بحكم اهتمامي القديم بقضية النوم، فوجدت أن العلماء ينصحون بتجنب تناول وجبات دسمة وتحديداً السوائل والمنبهات المدرة للبول وذلك قبيل النوم بنحو ساعة ونصف الساعة حتى يتجنب المرء الاستيقاظ في مرحلة النوم العميق المريحة. فلنوم الإنسان جودة مثل جودة أي منتج أو خدمة يمكن دائماً تحسينها بالاهتمام الأمثل بها.

ويطلق العلماء أيضاً على مرحلة النوم العميق اسم «مرحلة الأحلام». وربما هذا ما جعل جامعة كاليفورنيا تتوصل إلى أن هناك رابطاً بين النوم العميق والمقدرة على الإبداع؛ إذ أظهرت أن «النوم العميق والوصول إلى مرحلة الأحلام من شأنه تخفيف الضغوط والمساعدة في تصفية الذهن».

وعرفنا ذلك لاحقاً من أن المشاركين في الدراسة، الذين نالوا قسطاً كافياً من النوم، قد تقدموا بإجابات أفضل عن أسئلة اختبارات قدمت لهم، مقارنة بغيرهم ممن حرموا من لذة النوم العميق. «ورجح الخبراء أن يكون الوصول إلى هذه المرحلة من النوم يساعد المخ في تنشيط بعض المعلومات الموجودة بالفعل في الذاكرة» بحسب الدراسة.

وأنا أقرأ هذا الكم الهائل من الأبحاث العلمية التي تؤكد باستمرار أهمية النوم الجيد، أتذكر أن الظلمة لم تخلق عبثاً، كما قال تعالى «وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا»، أي تغشانا تلك الظلمة وتغطينا كما يغطي الثوب لابسه. فإذا ما شاهدنا تعكر مزاج الشخص، على غير عادته، فقد يقف وراء ذلك سهر بالليل أو خلل في جودة نومه وليس في مدته مهما طالت ساعاتها.

المصدر: البيان