الهتلان: الأنظمة السياسية شوّهت صورة القبيلة … وأرعبت الناس بـ «المتشددين»

مقابلات

دبي – فضيلة الجفال

«الاستقلالية، الاستقلالية، الاستقلالية» هذا ما يحتاج إليه الإعلام العربي؛ لينطلق ويواكب الإعلام العالمي، قالها ثلاثاً، بأصابعه، وبصوته، مؤكداً: «نحن في العالم العربي جزء من هذا الكون. نحن لسنا خارج هذا الكون»!.

إنه الإعلامي سليمان الهتلان الذي خرج في فضاء شاسع من التجارب الإعلامية العالمية دراسةً ومهنةً، لم يبتر يد القرية، ولم يخرجها من رأسه، إنها تعيث في ذاكرته، في أحاديثه، وتندره، وتهكمه العميق. لم يخاصم الماضي، ولم يقاطع أيامه الأولى، ولا ليل «الوادي الأبيض» بشتائه وصيفه. تحدث في حوار مع ‍«الحياة» عن رأيه ورؤيته، قارن الإعلام العربي بالغربي بإشكالية عاجزة، وأسرف في آماله منتظراً ربيع الإعلام العربي المقبل، كما حث مستثمري الإعلام العرب على أن يعيدوا حساباتهم تماماً مع هذا الفصل الجديد. فإلى التفاصيل:

> الجدران بين العالم العربي أو بين الخليج والعالم ككل، سقطت بعد العولمة والإعلام الجديد، فماذا عن تأثير العولمة وأدواتها على المستوين الفكري والاجتماعي؟

– العولمة الآن لم تعد نظرية في كتاب؛ فهي أدوات في متناول الناس. التقنية لا تأتي وحدها، بل تأتي بثقافة جديدة. منتجات العولمة اليوم تحكم علاقاتنا بعضنا مع بعض ومع الآخرين خارج حدودنا الضيقة؛ «فيسبوك» مثلاً أعتقد أن صاحب الفكرة لم يكن يتخيل أنها ستسهم في ثورة تطيح بأنظمة سياسية في بلدان حكمتها الديكتاتورية طويلاً.

هذه الوسائل حرضت الفرد العربي على أن يسأل: لماذا لدى الآخرين نظام ديمقراطي، وأنا أعيش تحت وطأة الديكتاتورية؟ المؤكد أن الجيل القادم سيكون أكثر تصالحاً مع مرحلته من الأجيال التي سبقته، وسيعيش داخل العالم الجديد وداخل التاريخ الحديث، وليس خارجه؛ وبالتالي أصبح يؤثر ويتأثر.

العالم الآن ينظر إلى ميدان التحرير بوصفه نموذجاً فريداً يحفز على الاحتجاج المشروع ضد الظلم والاستبداد، والأهم هنا هو إمكان حدوث التغيير الكبير حينما تقرره الناس، وتأملي كيف عزمت مجموعة صغيرة من شباب قرروا أن ينتصروا لأنفسهم ولأمتهم على التغيير؛ حتى استطاعوا أن يحققوا ما سماه أوباما الحدث الذي لا يقل أهمية عن سقوط جدار برلين.

نحن أسقطنا جدار برلين الذي كان يعزلنا حتى عن ذواتنا؛ لذلك فأنا مؤمن تماماً بأن الزمن المقبل هو زمن الإصلاح والتطوير والحداثة.

ولكن الوقائع على الأرض اليوم تقول عكس ما تقول به؟

– طبيعي أن تحدث الفوضى بعد زوال أي نظام مارس الاستبداد على مدى عقود؛ فما دمر على مدى عقود لن يصلح بين عشية وضحاها؛ فالثورة الفرنسية مرت بمراحل قاسية ولم تؤتِ أكلها إلا بعد 80 سنة. الربيع العربي الذي احتفي به ليس فقط سقوط الديكتاتوريات بل سقوط جدار الخوف الذي حكمت به تلك الديكتاتوريات بلدانها، وهو الثقافة الجديدة التي تؤسس، حتى ولو بعد حين، لدولة المؤسسات والقانون، وهو الفكر السياسي الجديد لدى إنسان المنطقة، وهو أيضاً ثقة الإنسان العربي اليوم بقدرته على التغيير.

انفجار الغضب

في السنوات الأخيرة نمت فكرة الثقافة الإعلامية، ومعها الثقافة السياسية في العالم العربي، فهل ستحمل الفترة المقبلة سياسيين شباباً يتخطون العوائق من خلال ثورات إلكترونية؟

– نعم، أظن ذلك؛ فالإنسان العربي حقق أهم إنجاز خلال وقت قصير جداً، وإن كان بعد تراكمات، وأهم إنجاز تحقق على أيدي الشباب العربي كان وعيه الكبير بضرورة التغيير واستثماره الذكي لتقنيات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي السياسي ورص الصفوف من أجل التغيير.

منذ 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 حينما أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس احتجاجاً على الإهانة التي تعرض لها، بدأ انفجار الغضب الذي تراكم منذ عقود. ربما الإنجاز المهم الذي يعيشه الإنسان العربي اليوم أنه عرف سر الإنجاز، وهو تجاوز الخوف من السلطة، ومن التغيير، ومن الجديد؛ من أجل أن يرفع المواطن العربي صوته باسمه الحقيقي، ويقول: «لا».

هذا مكتسب كبير جداً، ولن يتلاشى بسهولة بل سيتعمق، حتى بأخطائه، والأكيد أن هناك أخطاء رافقته، وهذا طبيعي.

جيل الشباب العربي الحالي ذاق طعم الحرية مبكراً، ولم يتقوقع في إحباطات الماضي والخوف منذ مقتبل العمر، وهو يعرف أنه لم يخرج إلى الشارع إلا من الذل؛ ذل الاستبداد الذي رآه في عيني والديه، وعاش جزءاً كبيراً منه اليوم. نعم المشروع بدأ، ونحن في بداياته، والطريق طويلة جداً حتى تتحقق مكتسبات مهمة على رغم شدة تعقيداتها مثل الديموقراطية، والمساواة، والعدالة، وحقوق الإنسان.

اليوم بدأ شباب التغيير في أكثر من بلد عربي المطالبة بإلغاء أجهزة الرقابة والتسلط مثل الأمن المركزي وأجهزة المباحث والأمن السياسي؛ لأنها أجهزة سخرت إمكانات الوطن لقمع الإنسان من أجل حماية من في السلطة، وإذا كانت السلطة تمثل الشعب فلماذا تحميها؟ أعطني أمناً يحميني من «الحرامي» في الشارع، ومن الفوضى المرورية، وليس جهازاً يراقب حركتي ويحاكم فكري.

> هل تعتقد أن الديموقراطية ملائمة لمجتمع أو أجواء العالم العربي بشكل عام؟

– الديموقراطية تجربة إنسانية، ونحن في العالم العربي جزء من هذا الكون، ولسنا خارج هذا العالم، ولسنا من كوكب آخر. الديموقراطية تجربة طويلة تصل إلى قناعة، وهي لا تأتي بين يوم وليلة.

ديموقراطية الغرب مرت بمراحل في العالم العربي نعيش بدايات تكوينها، وبالمناسبة من خلال تجربة ميدان التحرير تحديداً، وقبلها تونس، والآن في ليبيا ودول أخرى، سقطت «فزاعات الخوف» من التيارات المتطرفة؛ لأن الأمر ليس سوى إرادة جازمة من الشعب.

وأنتقد من يقول إن الديموقراطية غير مناسبة مستخدماً أعذاراً قديمة مثل أننا مجتمع قبلي؛ فهذا تشويه للقبيلة، وغالبية العرب يعودون إلى مجتمعات قبلية، وأبناء القبائل ليسوا مجموعة وحوش متخلفة لا تتعامل مع معطيات العصر. الأنظمة السياسية حاولت أن تشوه صورة القبيلة. كما حاولت أن تستغل الفكر الديني لترعب به الآخرين، هي تحاول أن ترعب الإصلاحيين بالقبيلة، كما حاولت أن ترعبهم بالتيارات المتشددة. باختصار، الديموقراطية تجربة لها شروط، حين نبدأ بهذه الشروط ستتحقق الديموقراطية ولو بعد 20 أو 30 سنة، المهم أن نبدأ.

جيل الشباب والمؤامرات

> مع أحداث 2011، وهو عام صاعقة، بدأت تدور فكرة المؤامرة، كمن يعتقد أن هذا جزء من استراتيجية أوباما التي كان شعارها «التغيير»، فهل جاء منه تغير العالم العربي؟

– لا، وقد يعود ذلك لحالة الاحتقار للعقل العربي، حتى النخب الثقافية تبنتها بحسن نية أحياناً، وبالتالي أي حدث إيجابي يحدث في منطقتنا دائماً ما نربطه بنظرية مؤامرة. إرهاصات ما حدث أخيراً هي تراكمات من الغبن السياسي ومن هيمنة الظلم والاستبداد لعقود طويلة. والتغيير هو سنة من سنن الحياة وفي كل عصر، وكل جيل يطالب بالتغيير بطريقته.

جيل الشباب العربي المعاصر أدرك أهمية التواصل مع ذاته ومع العالم وعرف كيف يستخدم تقنيات التواصل الاجتماعي بما يخدم توقه للتغيير والإصلاح، وهكذا جاءت النتائج، نحن في بدايات مرحلة تغيير كبرى ستشهدها منطقتنا، وعلينا في الخليج أن نجاري التغيير أو نستبقه، أما أن نقف في وجهه فتلك هي الكارثة.

> ولكن هل تعتقد أن الانفجار في العالم العربي له أيدٍ خارجية في تنظيمه، أو أنه مجرد فيروس وانتشر؟

– لا، هي تجربة عربية حقيقية، تجربة أبهرت حتى الخارج، لأنها تلقائية، ولم تأت من فراغ. كل تقارير التنمية الإنسانية التي تعنى بمنطقتنا كانت ترصد أسباب الانفجار المتوقع، وتراقب التحولات. النسبة الكاسحة من سكان المنطقة العربية، نحو 70%، هم من فئة الشباب، متوسط أعمارهم 30 سنة.

ونسبة كبيرة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، نسبة البطالة تصل إلى 25 في المئة في كثير من البلدان العربية، إنه الإحساس بحجم الفجوة بين من يملك كل شيء وبين من لا يملك شيئاً، غياب الطبقة المتوسطة، اضطهاد الأصوات الإصلاحية.

كل هذه المشكلات رصدت بأقلام عربية منذ عام 2001، العوامل الخارجية تكون مساندة لكنها لا تشعل فتيل الثورة، هذا لا يلغي أهمية الخارج في مساندة حراك الداخل كما حدث في ليبيا، فبالتالي لا وجود لفكرة المؤامرة فيما يحدث اليوم في المشهد العربي. وإذا كانت هناك مؤامرة تحرك الشارع العربي بهذه الطريقة فهي مؤامرة إيجابية، «أنا أقولها تهكماً».

> وما رأيك بفكرة «الفوضى الخلاقة» التي تلاحق الثورات العربية؟ ثمة من يختلف على تسميتها بالربيع العربي؟

– أياً كانت التسمية، المهم أننا اليوم أمام حقيقة كبرى وهي أن التغيير (بكل أشكاله وإشكالاته) حدث يومي في منطقتنا، وكما قلت في إجاباتي السابقة، التغيير مشروع ضخم، منظومة متكاملة من العوامل والظروف، لا يمكن أبداً أن نستيقظ من نومة استبداد طويلة لنصبح فجأة ديموقراطيين وأصحاب مؤسسات مجتمع مدني مستقلة وحرية رأي وفكر، لكننا في الطريق الصحيحة، أنا شديد التفاؤل بأن القادم – في كل حالاته – أفضل مما مضى!

الإعلام الحكومي مموّل

> ما حدث كان يقظة نحو الإعلام، وبشكل خاص الإعلام الجديد، بعيداً عن الإعلام الحكومي، فكيف يقيم الهتلان حرية الإعلام حالياً في العالم العربي؟

– الإعلام لدينا في الغالب إعلام ممول تمويلاً سياسياً بشكل مباشر كالحكومات، أو غير مباشر من مستثمرين محسوبين على السلطة، لا توجد مؤسسة إعلامية لا تخضع لأجندات التمويل، وهذا شيء طبيعي. فالذي يمول قناة تلفزيونية لديه مشروع أو أهداف يسعى لخدمتها إعلامياً، ولكن هل هذا الإعلام الذي ننتظر خاصة في هذه المرحلة؟

بالتأكيد لا. الإعلام الذي ننتظره هو إعلام مستقل يبحث عن مصادر مالية بطريقة مشروعة، وطريقة مهنية حتى تتحقق الاستقلالية المهنية، تفصل بين التحرير والإعلان، تفرق ما بين الدعاية والإعلام، وتفرق ما بين عمل العلاقات العامة والإعلام، الإعلام الذي يبحث عن وجهات نظر متنوعة يحاول قدر الإمكان أن يصل إلى الحقيقة بطرق مهنية. إلى الآن لم توجد تجربة إعلامية عربية ناضجة وبعيدة عن الأجندات السياسية، لكن البدا‍ئل اليوم متاحة، جاء الإعلام البديل الذي نسميه الآن الإعلام الاجتماعي أو الجديد الذي هو أداة تواصل بين الناس، صحيح انه أحياناً يفتقر إلى الدقة والصدقية، لكنه مع الوقت يعطيك فرصة الفرز، بدأ الناس ينضجون في رؤيتهم، يبحثون ويقارنون. المعلومات ليست جاهزة كما يسوقها الإعلام الرسمي، من دون وجود بدائل أخرى. وإضافة لذلك، هو وسيلة تواصل، وبالتالي قطع الطريق على الأجهزة الأمنية التي كانت ترقب حركة الناس وتفكيرهم.

للمرة الأولى في التاريخ الإنساني كله تنظم ثورات علناً قبل أن تبدأ ومعروفة بأسماء أصحابها، وهذا كله بفضل عولمة الاتصال، انكشفت الأنظمة أمام العالم، والعالم لن يستطيع أن يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان مهما كانت.

وبالتالي أصبحت هناك قوى جديدة شابة ضاغطة على الأنظمة، حتى الأنظمة الغربية التي تريد أن تحافظ على مصالحها، من خلال محافظتها على الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا، لا تستطيع، لأنها انكشفت.

والنظام الديموقراطي في مجتمعاتها يعطي الفرصة للجيل الجديد في تلك البلدان أن يضغط في اتجاه عولمة عادلة تتكافأ فيها – مستقبلاً – فرص التنمية والديموقراطية بين الشمال والجنوب.

> شهد العالم محاكمات علنية لحكام عرب، كيف ترى تعاطي الإعلام معها، وكيف وجدت أيضاً التغطيات الإعلامية للثورات العربية في مختلف الدول؟

– الحدث الكبير فرض نفسه على الجميع، و مع ذلك لا تزال تغطيات وسائل الإعلام العربية – في المجمل – تابعة بشكل أو آخر لمواقف ملاك تلك الوسائل تجاه الحدث. البعض يبالغ في التشكيك بمستقبل الثورات العربية ويبالغ في وصف المخاطر المقبلة، وبعضهم يتصيد أخطاء الربيع العربي للتشكيك في مستقبلهم، وهذه مسألة متوقعة لأن تلك الوسائل ينطبق عليها المقولة الشعبية: «جاك الموت يا تارك الصلاة!»

> هل تعتقد أن الإعلام الغربي خرج تماماً عن سيطرة الحكومات الغربية؟ وما ذا لو قارنا جدلاً بينه وبين سياسات الإعلام العربي؟

– المقارنة ستكون صعبة، لأن الإعلام الغربي ينظر له في مجتمعه كسلطة رابعة، لكن متى تم ذلك؟ عندما تحققت السلطات الثلاث الأخرى: السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وهي سلطات منفصلة عن بعض.

من السهل القول إن الإعلام في الغرب سلطة رابعة، أي عين تراقب أخطاء السلطات الثلاث، وتضغط على السلطات الثلاث، لكي لا تضل عن طريقها. إنه إعلام ينتمي لبيئة تمكنه من أن يكون سلطة حقيقية تراقب مواطن الخطأ في مجتمعه، هذا لا يعني أبداً انه لا يخطئ.

صحيفة النيويورك تايمز على سبيل المثال اضطرت إلى أن تعتذر وعلى صفحتها الأولى من قرائها لأنها نشرت تقارير غير دقيقة عن التدخل العسكري الأميركي في العراق، معلومات مغلوطة كان البنتاغون مصدرها، وتبين للصحيفة لاحقاً عدم دقتها، وشهدنا قبل فترة فضيحة مردوخ في بريطانيا.

الأخطاء تحدث لكن المجتمع يرفضها ويحاسب عليها، نحن ليست لدينا البيئة التي تحقق للإعلام عندنا استقلاليته التي تمكنه أن يستقل تماماً ويكون موضوعياً تماماً، في مجتمع تتداخل فيه المصالح وتتداخل فيه الإيديولوجيات.

والصحافي عندنا هو من نتاج بيئته وثقافة مجتمعه، بيئة عاشت وما زالت إلى حد ما تعيش القمع والضغوط والمجاملات.

وأنا لدي قناعة اليوم أن ربيع الإعلام العربي القادم سيأتي من القاهرة، وقد لا تجد كثيراً من المؤسسات الفضائية التي هيمنت على الساحة في الـ15 سنة الماضية سوقاً لها في السنين المقبلة.

المجتمع الإعلامي المصري عاش مراحل كبت على مدى 30 سنة، اليوم واحدة من المكتسبات الكبرى لثورة 25 يناير هي أن السلطة رفعت يدها عن الإعلام.

أتوقع أن تنتقل كثير من المؤسسات الإعلامية إلى مصر، لتستفيد من المناخ الجديد الذي سيعطيها فرصة للتنافس والإبداع في ظل جو من الحرية لن تتدخل فيه الحكومة كما كانت في السابق، بالتالي أنصح أي مستثمر عربي في الإعلام أن يعيد حساباته تماماً، نحن أمام نقلة نوعية في المنافسة الإعلامية عربياً مصر ستكون محورها.

أعتقد أن آلية الاستثمار الإعلامي في السنوات القليلة المقبلة ستكون مختلفة تماماً، لاعبون جدد وبإمكانات أقل سيدخلون للميدان بفكر جديد، ومن المتوقع أن يتغير المشهد الإعلامي العربي كثيراً.

ربيع الإعلام يبدأ من القاهرة

> الإعلام في مصر أشبه بصراخ بعد كبت طويل، فهل أنت مع الحرية المطلقة أم الحرية المضبوطة في الإعلام؟

– حتى في البلدان المنفتحة إعلامياً هناك قوانين إعلامية مهنية ومواثيق شرف تقنن الأداء، بمعنى أن أفرق بين الإعلام والفوضى الإعلامية، أفرق بين أن أكون ناقداً وبين أن أكون شتاماً، هناك قوانين ومعايير مهنية يجب أن تحدد وتكتب، وفي كليات الإعلام في الجامعات الأميركية مثلاً هناك مادة رئيسية لابد لطالب الإعلام أن يدرسها هي «قانون الإعلام»، ما يجوز وما لا يجوز، ما يعاقب عليه القانون وما لا يعاقب. لا يمكن أن أستخدم كلمة بذيئة وأقول هذه حرية إعلامية!

> أنت مع نقد المسؤولين أياً كانت مناصبهم في الإعلام أو مع الرقابة المقننة؟

– أؤمن بالنقد، بصفته مطلباً حضارياً، لكنه مع السلطة هو مطلب أساسي جداً، ولمصلحة السلطة أن يكون هناك إعلام يستطيع أن ينتقد وفق المعايير المهنية، فلا يتحول النقد إلى تهريج أو قذف، الإعلام يفترض أن يكون عين المواطن على مواقع الفساد، وبالذات السلطة التنفيذية.

تجربتي مع الصحافة الأميركية

> عشت خبرة ثرية مع الصحافة الأميركية، كيف تختصر أهم محطاتها؟

– هي تجربة ذات شقين، العمل الميداني الذي كان عبارة عن تقارير وتغطيات تلفزيونية والمساهمة في إعداد وإنتاج بعض الأعمال، أما الجانب الآخر فقد كان من خلال مقالات الرأي التي نشرت في عدد من الصحف الأميركية مثل اليو إس إيه توداي والنيويورك تايمز والواشنطن بوست وميامي هيرالد وغيرها.

على الصعيد الميداني عملت مع الإعلامية الأميركية باربرا وولترز في برنامج 20-20، وعملت أيضاً مع مارتن سميث الإعلامي الشهير صاحب برنامج Front Line في بي بي اس، هذا قاد إلى موقعي الآن كعضو في فريق مجلس التحرير بمجلة السياسات العالمية الصادرة من نيويورك.

أنا مؤمن بأهمية التواصل مع وسائل الإعلام العالمية ليس فقط للمساهمة في مناقشة أوضاع منطقتنا، ولكن أيضاً للإسهام في الحوار العالمي حول قضايا العالم، نحن جزء من هذا العالم ولا ينبغي لمثقفينا التقوقع في الشأن المحلي، أنا سعيد باختياري عضواً في مجلس تحرير مجلة السياسات الدولية الأميركية، وأتمنى من مثقفينا وإعلاميينا التواصل مع الوسائل الإعلامية العالمية.

> في ما يخص الرأي، هل استخدمت تلك الفرصة للتعبير عن وجهات نظر وطنية أو حتى لفت نظر الرأي العام الغربي نحوها؟

– بعد أحداث الـ11 من سبتمبر 2001، كنت أعتقد أنه من الضروري جداً وبحكم إقامتي في الولايات المتحدة الأميركية حينئذ، ومن واجبي كباحث أن أعبر عن رأيي في قضايا المنطقة العربية والسعودية تحديداً، أنا لا أقول أنها وجهة نظر سعودية، بل كنت أكتب وجهة نظري أنا، قد تكون صائبة وقد تجانب الصواب، ولكن في الأخير هو رأي قابل للنقاش، أنا لست معنياً بتحسين صورة أي مؤسسة أياً كانت، تلك مهمة السفارات ووزارات الإعلام.

> إذن لم تكن تتبنى قضايا معينة في هذا الخصوص؟

– كإعلامي ما زلت أردد أنني لا أريد أن أتبنى قضايا بشكل تبني، لأن هناك فرقاً بين الإعلامي وبين الناشط السياسي أو الحقوقي، أنا إعلامي وأريد أن أبقى إعلامياً، لذا فالإعلامي لا يكون ناشطاً حتى يحتفظ بصدقيته، لكن الموضوع الذي يعنيني كثيراً في إطار البحث والكتابة، هو الإصلاح والتغيير في العالم العربي، وهذا كان الموضوع الرئيس الذي أكتب في إطاره، إضافة لما يحدث اليوم من التحولات المبهرة في المجتمع العربي، وانعكاساتها وأبعادها.

مجتمعاتنا متنوعة مذهبياً وفكرياً ومناطقياً وثقافياً، نحن بشر وبالتالي من الطبيعي أن يكون هذا التنوع موجود، لا بد أن نعبر عنه حتى نتعود عليه، ليتكون مجتمعنا على الاختلاف ويعبر عن هذا الاختلاف.

وبالتالي نتصالح مع هذا الاختلاف، ونتعايش معه، ونحترمه، مهم جداً أن ننظر لهذا التنوع – فوق أنه حقيقة – أنه غنى و خير للمجتمع.

> هل تعتقد أن الكتاب المحليين يميلون للكتابة في الصحف الأجنبية ليمارسوا ضغوطاً للإصلاح المحلي وإن كان بصورة غير مباشرة؟

– ربما، لكنني اليوم – وبعد تجربة ميدان التحرير – على يقين بأن حراك الداخل يبقى الأقوى و الأكثر تأثيراً، لكن هذا لا يلغي أبداً دور الخارج، والخارج هنا يستوعب مؤسسات غير حكومية وإعلام محايد و شخصيات مؤثرة.

موقف الإدارة الأميركية من الثورة المصرية أحدث فارقاً كبيراً جداً، فحينما أيد الرئيس باراك أوباما الثورة أقنع العالم كله بنجاح الثورة، و مرة أخرى يبقى حراك الداخل هو الأساس بخاصة أن الداخل العربي اليوم أثبت أن الشارع العربي يقود ولا يقاد.

> وما الذي يحتاجه الإعلام العربي لينطلق ويواكب الإعلام العالمي؟

– الاستقلالية، الاستقلالية، الاستقلالية!

هذه المادة نشرت في جريدة الحياة السعودية بتاريخ 13 سبتمبر 2011